مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ١٧٧
على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) " وورد ان الأنصار بادروا بالاسلام لما سمعوا من اليهود فيه، فقالوا: هذا النبي الذي كانت اليهود يخبروننا به.
أقول: هذا أيضا عجيب، فان ما يدل عليه حديث سعد ان اليهود كانوا يقولون كذا وكذا عنه صلى الله عليه وآله وكانوا يكذبونه وتكذيبهم إياه قد ورد في القرآن المجيد لامرية فيه، ومن جملة ما يدل على انكارهم وردهم رسالته هذه الآية (وكانوا من قبل يستفتحون..) فأي منافاة بين كونهم مخبرين برسالته قبل دعوته وبعثته أو قبل ولادته وبين انكارهم حسدا وعنادا للحق، والأنصار أيضا آمنوا بالحق لما سمعوا من اليهود قبل ذلك من البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله في التوراة مع أنهم بعد ذلك لم يؤمنوا به وأنكروه الا القليل منهم كعبد الله بن سلام وغيره.
ان قلت: ان الآية الكريمة انما تدل على أن اليهود كانوا قبل البعثة يستفتحون على الذين كفروا وكانوا يخبرون على ظهور النبي صلى الله عليه وآله ويصدقونه فلما جائهم ما عرفوا كفروا به والرواية قد دلت على أنهم يكذبونه قبل ذلك.
قلت: ما دلت عليه الرواية ان المجالسين لهما كانوا يكذبونه ولعل مجالستهم إياهم كانت للاستخبار عن حاله صلى الله عليه وآله ومآل حاله وكانت بعد البعثة ولا راد للاحتمال ان يكون طائفة من اليهود كانوا يكذبونه قبل ذلك تعصبا لعلمهم بأنه من العرب ومن ولد إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام وبعد جواز الجمع بين ظاهر الآية بأحد الوجهين المقبولين عند العرف يرفع الاشكال وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
العاشر: تضمنه ان الرجلين كانا يجالسان اليهود ويستخبر انهم عن عواقب امر محمد صلى الله عليه وآله مع أنهما لم يكونا أهل ذلك لا سيما الثاني الذي كان جلفا جافا وحديث اسلامه معروف وأي مانع من أن يكون اسلامهما طوعا ويصيران أخيرا منافقين فكم من مؤمن صار كافرا فضلا عن أن يصير منافقا، قال الله تعالى (ان الذين آمنوا ثم كفروا) ألم يكن إبليس ملكا مقربا ثم صار رجيما لعينا فأي استبعاد من أن يؤمن الرجلان
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»