مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٥٣
قلت: لا ريب في ذلك، ولكن قد بينا لك أن الشرع إنما يحكم تأسيسا، وهو المرجع الأول فيما لاحكم فيه للعقل، ففي دائرة الأحكام والتكاليف الشرعية - وضعية كانت أو تكليفية - الإسلام يجب ما قبله، ويذهب بالآثار الشرعية المترتبة على الأفعال التي ارتكبها الشخص قبل إسلامه على التفصيل المذكور في الفقه، أما الآثار الوضعية الحقيقية فليست بتشريعية، ولا تنالها يد الإنشاء والاعتبار، فليست قابلة للمحو بالإسلام والتوبة.
فتنفر الطباع عمن ارتكب قبائح الأعمال والشرور وعبد الأصنام قبل إسلامه وتوبته لا يزول بها، وكذا عدم الاعتماد على الكذابين والخائنين وأهل الفجور والشر والفساد أمر طبيعي لا يمكن رفعه بالإنشاء. ومصلحة النبوات وتربية العباد، وسياسة أمورهم تقتضي أن يكون النبي والإمام من غيرهم، وكم فرق بين من لم يكفر بالله طرفة عين، وكان له في سوالف عمره سوابق حسنة، وكانت حياته مضيئة بالخيرات مشرقة بالصلح والسلم والكرامة الإنسانية والرشد والصلاح ومنع الظلم ورحمة الأيتام والضعفاء والمستضعفين، وبين من مضى برهة من عمره في عبادة الأصنام والارتكاب للقبائح حتى وأد البنات بقساوة شديدة قلما يرى مثلها في تاريخ الإنسان (1).
وثالثا: عدم نيل عهد الله تعالى الظالم في حال ظلمه، سيما إذا كان ظلمه عبادة الأصنام وارتكاب الفجور، والظلم على العباد بالاستعلاء عليهم واستضعافهم واضح، لا يحتاج توهمه إلى دافع، سيما إذا كان السائل نبيا جليلا كإبراهيم الخليل الذي بلغ في معرفة الله تعالى الغاية القصوى، ودفع توهمه خلاف البلاغة، فإذا ليس المراد منه إلا مطلق من صدر عنه الظلم، بل خصوص من صدر عنه الظلم في الماضي، أو يعلم الله

(1) وهذا عمر بن الخطاب قد دفن فيما روي ستا من بناته في الجاهلية وإن كان ليحفر لإحداهن الحفرة يريد أن يئدها فيها فيتخلله غبار الحفر فتنفض البنت عن أبيها غباره، وتمشط لحيته بأصابعها حنانا ورقة فلا يلين ذلك من قلبه شيئا حتى إذا انتهى، زجها في قبرها وأهال التراب بين بكائها وعويلها واستنجادها به يا أبتاه!
(الأستاذ محمد سعيد الأفغاني - مجلة حضارة الإسلام طبع دمشق) (ع‍ 2 س‍ 22 ص 21).
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»