فليس مفادهما أن إثبات صفات الملائكة لهم غلو، ورفع عن درجة الإنسان إلى درجة أعلى، بل المراد نفي الغلو بإثبات صفات الله المختصة، لهم وإثبات الاستقلال لهم في عرض إرادة الله ومشيته، فهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ليس لهم الإتيان بآية إلا بإذن الله تعالى، فمثل النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) الذي:
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من اليم أو رشفا من الديم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (1) وأيضا مثل هاتين الآيتين رد على من يطلب من النبي (صلى الله عليه وآله) ترك ما هو ضرورة الإنسان كالأكل، والشرب والمشي في الأسواق زعما منه أن ترك ذلك كمال النبي (صلى الله عليه وآله)، ولذا قالوا (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) (2) وقال سبحانه وتعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا. قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) (3) ومن الأدلة التي أقيمت على عصمة الأنبياء، والأئمة (عليهم السلام) أنه يجب في النبي والإمام قوة الرأي والبصيرة وعدم السهو، وكلما ينفر عنه، ومن المعلوم أن المعصية كبيرة كانت أو صغيرة من أعظم ما ينفر عنه، ومن أقوى الشواهد على ضعف الرأي، والسهو أيضا يذهب بمكانته الاجتماعية، وربما يصير سببا لاستهزاء الناس به، وإنكاره ما عليه وادعائه ما ليس له وكل ذلك ينافي مصلحة النبوات.
ومنها أنه يجب متابعتهم وإطاعتهم، ولو لم يكونوا معصومين جاز أن يأمروا بالمعصية، وما فيه المفسدة، وينهوا عن الطاعة وما فيه المصلحة، وذلك يؤدي إلى إغواء الناس وإضلالهم، وهذا ضد المقصود من بعث الرسل، لأن الغرض فيه هداية العباد والبشارة والإنذار.