فظهر بذلك أن لا منافاة بين كون العقل حاكما بلزوم العصمة في النبي والإمام، وبين كون المعجزة دليلا على صدق النبي وعصمته، وكذلك الإمام، وأن هذا أيضا حكم العقل، وليس من الشرع وما يثبت حجيته وحقيته بالمعجزة بشئ.
نعم هنا أمر لا بأس بالإشارة إليه، وهو أن المعجزة إنما تكون دليلا على العصمة إذا لم يكن في مدعي النبوة عملا وخلقا وخلقا ينافي العصمة، وإذا كان فيه ما ينافي ذلك، كارتكاب القبائح وسوء الأخلاق، فهو الدليل على أن ما يظهره بعنوان المعجزة ليس معجزة، لأن الله لا يؤيد عمل المبطلين، ولا يصلح عمل المفسدين، وهكذا يجئ الكلام في النص الصادر من النبي على نبوة من يأتي بعده أو إمامته، فإذا كان المدعي لورود النص عليه غير مرضي الأخلاق والأفعال لا يعتنى بما يدعيه، ويعلم من ذلك أن ما يدعيه من النص لم يصدر أو صدر في حق غيره.
المسألة الرابعة، ما هي الدلائل العقلية على عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين؟
الجواب: أدلتها كثيرة نذكر نموذجا منها مما يدل على معتقد الحق.
فمنها: إنهم لو لم يكونوا معصومين عن المعاصي عمدا وسهوا، وعن الخطأ والنسيان والسهو في كل ما يرجع إلى ما يجب اتباعهم من أقوالهم وأفعالهم وسيرهم وسلوكهم ليرفع الاطمينان والاعتماد عن اتباعهم والاقتداء والتأسي بهم، وتبطل فائدة بعث الأنبياء ونصب الأئمة، وينقض الغرض الباعث إلى إرسال الرسل، بل خطؤهم ونسيانهم في الأمور العادية أيضا يضعف ذلك الاعتماد، وتنزههم عنه يقوي ذلك ويؤكده غاية التأكيد، فاللطف والحكمة يقتضي اختصاصهم بعنايات وألطاف تدفع عنهم السهو والنسيان.
لا يقال: إن ذلك غلو فيهم، وأنهم ما فوق الإنسان وأعلى منه. لأنه يقال:
اختصاصهم بتلك العنايات، وكون ذكرهم وتوجههم دائميا ليس فوق حد الإنسان، ولا يقول ذلك إلا من قصر عن معرفة الإنسان ومراتب كماله، وما يصل إليه في سيره إلى الله تعالى.