مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٥٨
مراتب ودرجات أعلاها ما حصل للنبي والأئمة (عليهم السلام)، وأدناها ما يصون الشخص عن المعاصي عمدا وسهوا، وعن الاشتباه والسهو والنسيان في أمر الرسالة وشؤونها، فعلى هذا يمكن أن يوجد في عظماء الأنبياء نورانية وعناية ربانية دائمة تصرفهم عن ترك الأولى، وتدفع عن قلبهم غطاء السهو وحجاب النسيان.
وأما بالنسبة إلى نبينا (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه وخلفائه الاثني عشر (عليهم السلام) فحيث إنهم في أعلى مراتب القوة القدسية والنورانية الربانية، وليس فوق رتبتهم في الحضور عند المولى، والجلوس على بساط قربه وأنسه رتبة، فعدم صدور ترك الأولى عنهم كعدم صدور المعاصي في نهاية الوضوح، يظهر ذلك لكل من درس تاريخ حياتهم النورية وأخلاقهم الإلهية، وأدعيتهم ومناجاتهم، وخشيتهم من الله تعالى، وإنابتهم إليه وانقطاعهم عن الخلق، فهم أكمل المظاهر لإخلاص العبد وترك الاشتغال بغير الله تعالى، لا يصدرون إلا عن أمره، كل أفعالهم محمودة مرضية، وكل حالاتهم حميدة شريفة، لا تؤثر في وجودهم الدواعي إلا داعي الله، ولا يشغلهم شئ عن امتثال أوامره ونواهيه، قد خرقت أبصار قلوبهم حجب النور فوصلت إلى معدن العظمة، وصارت أرواحهم معلقة بعز قدسه، جباههم ساجدة لعظمته، وعيونهم ساهرة في خدمته، ودموعهم سائلة من خشيته، وقلوبهم متعلقة بمحبته، وافئدتهم منخلعة من مهابته، انقطعت همتهم إليه، وانصرفت رغبتهم نحوه، لقاؤه قرة أعينهم، وقربه غاية سؤلهم.
إذا فكيف يصدر ترك الأولى ممن بعض شؤونه وحالاته ما سمعت، رزقنا الله تعالى محبتهم وولايتهم وشفاعتهم، وحشرنا في زمرتهم.
ولا يخفى عليك: أن ترك الأولى ليس معناه ترك المستحب أو فعل المكروه فحسب، بل ربما يكون بترك المستحب أو فعل المكروه، وربما يكون بفعل المستحب وترك المكروه، والنبي والإمام أعلم بموارد ترك الأولى، فلا يجوز نسبة ترك الأولى إلى النبي والولي، بل إلى غيرهما من الفقهاء العارفين بأحكام الله تعالى، وموارد تزاحم المستحبات والمكروهات، بعضها مع بعض، بمجرد ترك المستحب أو فعل المكروه، بل يمكن الاستدلال بفعلها على عدم كون هذا الفعل أو الترك مستحبا أو مكروها بقول مطلق، وإلا لما كان يصدر عنهم.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»