مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٤٢
ووجود الصارف، وإنما قلنا بقدرته عليها لأنه لولاه لما استحق مدحا ولا ثوابا، إذ لا اختيار له حينئذ، لأنهما يستحقان على فعل الممكن وتركه، لكنه يستحق المدح والثواب لعصمته إجماعا فيكون قادرا.
وقالت الأشاعرة: هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية (1).
وقال بعض الحكماء: إن المعصوم خلقه الله جبلة صافية، وطينة نقية، ومزاجا قابلا وخصه بعقل قوي وفكر سوي، وجعل له ألطافا زائدة، فهو قوي بما خصه على فعل الواجبات واجتناب المقبحات، والالتفات إلى ملكوت السماوات، والإعراض عن عالم الجهات، فيكون النفس الأمارة مأسورة مقهورة في حيز النفس العاقلة.
وقيل: هو المختص بنفس هي أشرف النفوس الإنسانية، ولها عناية خاصة، وفيض يتمكن به من أسر القوة الوهمية والخيالية، الموجبتين للشهوة والغضب، المتعلق كل ذلك بالقوة الحيوانية.
ولبعضهم كلام حسن جامع حيث قال: العصمة ملكة نفسانية يمنع المتصف بها من الفجور مع قدرته عليه، ويتوقف هذه الملكة على العلم بمثالب المعاصي، ومناقب الطاعات، لأن العفة متى حصلت في جوهر النفس، وانضاف إليها العلم التام بما في المعصية من الشقاوة، والطاعة من السعادة صار ذلك العلم موجبا لرسوخها في النفس فتصير ملكة، ثم إن تلك الملكة إنما يحصل له بخاصية نفسية أو بدنية تقتضيها، وإلا لكان اختصاصه بتلك الملكة دون بني نوعه ترجيحا من غير مرجح، ويتأكد ذلك بتواتر الوحي، وأن يعلم المؤاخذة على ترك الأولى (2).
أقول: لا ريب أن الإختصاص بتلك الملكة إنما يكون بجهة مرجحة يعلمها الله تعالى، وليس علينا السؤال عن هذه الجهة، وهذا كاختصاص كثير من المخلوقات بل كلها بأوصاف خاصة، واختلافهم في الأنواع والأفراد، واختصاص السماء والأرض بالخلق

(1) لا يخفى عليك بطلان هذه المقالة لأن القدرة على الطاعة لا تحقق إلا مع القدرة على تركها، والقدرة على ترك الطاعة هي القدرة على المعصية.
(2) اللوامع الإلهية اللامع العاشر ص 169 و 170.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»