والنشئات التي يسار به قبل هذا العالم، كما أن أمده لا ينتهي بارتحاله من هذه الدنيا، ولعل سائر الناس من العلماء والصلحاء في عالم البرزخ يكون هذا حالهم، لا ينتهي سيرهم الكمالي بالموت العنصري، بل يمكن أن يكون الموت لهم بحسب صلاحياتهم وقابلياتهم مبدءا لمثل هذا السير، والله أعلم.
والحاصل أن مثل هذا السير لازم لكل سالك إلى الله ولا نهاية له، فهو لا يزال في حال الرجوع إلى الله تعالى: قال الله سبحانه: (إنا لله وإنا إليه راجعون) (1) وقال (ألا وإلى الله تصير الأمور) (2) ولو فرض لسلوكه وسيره ورجوعه هذا انتهاء، فلا دخل لطول حياته العنصرية، وقصرها فيه، ولا يخفى عليك: أنا وإن عجزنا عن درك حقيقة هذا الشأن، والعلوم التي تفاض على الإمام، إلا أنه لاوجه لاستبعاد مثل هذا الشأن لهم وكم لهم من الشؤون، بل ولغيرهم، مما لا ندرك حقيقته، ولكن نعرفه بآثاره ونلمسه بعينه.
إذا فلا دخل لتولي الإمامة وعدمه في العلم الذي يزداد الإمام، حتى يشكل الحكم بأفضلية الإمام علي (عليه السلام) على الإمام الجواد (عليه السلام).
نعم في العلوم المشار إليها بقوله سبحانه (وعلم آدم الأسماء كلها) (3) وفيما هو من مؤهلات الإمامة الأئمة (عليهم السلام) سواء، لا يتفاوت علمهم هذا، بعد تولية الإمامة عن قبلها، ولا يزدادون فيه بتوليهم.
وعلى هذا يدفع توهم الإشكال في أفضلية الإمام علي (عليه السلام) من الإمام الجواد (عليه السلام) لتولية الإمامة في صغر سنه، لعدم ثبوت فضيلة له على سائر الأئمة بذلك.
ومسألة تولي الإمامة أمر إداري يرجع إلى الحكم والإدارة، لا تنحصر شؤون الإمامة فيه، والإمام صاحب هذه الشؤون قبل الإمامة كبعد توليه، فمن جملة هذه الشؤون حجية أقواله وأفعاله في الأحكام الشرعية، والمعارف الإسلامية فهذه ثابتة له مطلقا، ولا دخل لتولية الإمامة في ذلك.