مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٤٠
وإن شئت قلت: حضور خاص للعبد عند مولاه لا يرتكب معه ما ينافي هذا الحضور فلا يشتغل في هذا الحضور، إلا بما يناسبه، ففي مثل هذا الموقف الأقدس لا ذنب، ولا معصية، ولا انصراف عن الله تعالى. وهذا مقام رفيع لا يناله ولا يفوز به إلا عباد الله المخلصين الكاملين الذين ليس لغير الله سلطان عليهم، وهم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).
وإن شئت مثالا لذلك، والمثال لا يسئل عنه، فانظر إلى نفسك إذا كنت طالبا سلعة، تذهب إلى السوق لشرائها، فيعرضها بايع لك بدينار، وآخر بدينارين، ولا شك أنك مختار في اشترائها من الأول أو الثاني، لكن لا تشتريها إلا من الأول، لما فيك من قوة التميز بين نفعك وضررك، والمعصوم في صفاء النفس، والاتصال بعالم الغيب، وقوة الدرك حتى في ترك الأولى كترك المستحبات وفعل المكروهات، أصفى نفسا منك ومن غيرك.
وبالجملة فالحضور ضد الغياب، والتوجه ضد الانصراف، فمن كان في محضر المولى ليس بغائب عنه، ومن ذاق حلاوة قربه ومؤانسته لا يبتغي عنها بدلا، ومن جلس على بساط عبادته، وأدرك لذة مناجاته يقول كما قال زين العابدين (عليه السلام):
متى راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتى فرح من قصد سواك بنيته؟
قال العلامة الجليل السيد عبد الله شبر: العصمة عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرا على المعاصي كلها كجائز الخطاء، وليس معنى العصمة أن الله يجبره على ترك المعصية، بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره، مع قدرته عليها كقوة العقل، وكالفطانة، والذكاء ونهاية صفاء النفس، وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالى، ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان منافيا للتكليف، ولا إكراه في الدين، والنبي (صلى الله عليه وآله). أول من كلف حيث قال (فأنا أول العابدين) (1) (وأنا أول المسلمين) (2) وقال تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) (3)

(1) الزخرف - 81 (2) الأنعام - 163 (3) الحجر - 99
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 35 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»