فإذا قرر الشارع الذي أخذ بيد المرأة المسكينة، وأنقذها من دركات السقوط والشقاء، أن للنساء نصيبا مما ترك الوالدان والأقربون كما قرر ذلك للرجال، بمناسبات كثيرة من عناية بحفظ حقوق النساء وكرامتهن الإنسانية والمنع عن استضعافهن، يفهم أن عموم هذا الحكم الحافظ لشؤون المرأة وتثبيت حقوقها في المجتمع لا يقبل التخصيص بحرمان المرأة عن حقها واستقلال المرء بإرث جميع ما بقي لكونه من الكر على ما فر.
فكما لا يقبل التخصيص قوله تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى). وقوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وقوله تعالى (فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وغيرها من القواعد الشرعية القرآنية، لا تقبل هذه القاعدة المحكمة، الحاكمة بإرث المرأة من الميت إذا كانت مع المرء في طبقة واحدة، أيضا التخصيص.
وهذه أمور لابد للفقيه ملاحظتها عند النظر في أدلة الأحكام.
فإن قلتم: فكيف اختلف نصيب المرء والمرأة من الميراث وصار للذكر مثل حظ الأنثيين.
قلنا: إن اختلاف الذكر والأنثى في تقدير الميراث لا ينافي القاعدة المذكورة، فإنها تقرر إرث المرأة مع الرجل من تركة الميت إذا كانت معه في درجة واحدة، وأما تقدير السهام فأمر آخر يثبت بدليله، لا ينافي المحافظة على حقوق المرأة ورفع الاستضعاف عنها، سيما إذا كان ذلك بملاحظات اقتصادية مثل أن المرء يعطي ولا يعطى، والحاصل أن تقدير المواريث بالاختلاف أمر لا يخالف القاعدة المشار إليها بخلاف حرمانها عن الميراث.
هذا، وقد ظهر مما ذكر بطوله أن هذا النص القرآني الدال على إرث المرأة من تركة الميت إذا كانت مع الرجل في درجة واحدة لا يقبل التخصيص، سواء كان المال الذي يرثاه تمام تركة الميت، أو بعضها مما بقي من سهام أرباب الفرائض، وهذا، أي إباء هذا النص من قبول هذا التخصيص، من أقوى الشواهد على ضعف خبر ابن طاوس وخبر جابر.