فيرد دليل المخصص أو يحمله على ما لا ينافي العموم، وفي مورد آخر لا يرى بأسا بتخصيص العموم، فبعد ورود المخصص يحمل العام على الخاص حملا للظاهر على الأظهر كما مر، وهذا أمر واضح عند العارف بالمحاورات العرفية.
ولمزيد التوضيح وظهور إباء الآية عن التخصيص بالنسبة إلى المرأة، وعدم جواز تخصيص عمومه بالخبرين المذكورين، حتى ولو سلما عن المناقشة فيهما دلالة أو سندا نقول: إن الأحكام الشرعية على قسمين:
قسم منها الأحكام العبادية المتعلقة بما بين العبد وبين الله تعالى، والوظائف التي يتقرب بها كل فرد إلى الله تعالى، ويستكمل بها الكمالات الإنسانية، ويحضر بها مشاهد القرب، ويتشبه بها بالملائكة الروحانية، ويرتفع بها إلى الحضور في عالم القدس والأنس.
وهذه الأحكام وإن كانت أساس السعادات الدنيوية والأخروية، والجسمية والروحية، وروح جميع الأنظمة الشرعية إلا أن الغرض الأول والأسنى من تشريعها إيصال العباد إلى المقامات المعنوية، والتوجه إلى خالقهم الحقيقي، والمنعم عليهم، وجلوسهم على بساط الشكر وحصول حال التعبد والتسليم والانقياد للحق في نفوسهم وغير ذلك.
فهذه أحكام تعبدية صرفة لا يطلع على ما فيها من الحكم بالتفصيل إلا الأوحدي من الناس ممن أكرمه الله تعالى بالاطلاع على ذلك، ولا يتحقق الغرض الأصلي منها إلا بامتثالها بقصد الإطاعة والتعبد الخالص، فلو اطلع العبد على بعض ما فيه من الفائدة والحكمة غير ما يتحقق بالعبادة والإتيان به تعبدا، فأتى به لتحصيل هذه الفائدة والحكمة لم يكن ممتثلا لها، ولا يستحق بها ما يستحق عباد الله المخلصون.
والقسم الثاني: الأحكام المشروعة لنظم أمور الدنيا، وسياسة المدن، وإدارة المجتمع، وروابط الأفراد بعضها مع بعض في الأموال وغيرها، ففي مثل هذه الأحكام بملاحظة الأحكام وموضوعاتها والمناسبة بينهما، يفهم العرف في الجملة غرض الشارع، وما يحققه وما يرتبط به، ويكون لهذا الفهم دخل في استظهار مراده من كلامه من العموم والخصوص وغيرهما، وتكون هذه المناسبات التي يفهمها العرف من القرائن الحالية أو المقالية الدالة على ما أراده المتكلم من كلامه.