فهو لن يكون أعظم من أبيه ولا له المكانة المقدسة نفسها التي كانت لأمه ومع هذا هدد أبوه بالقتل، وشرعت السلطة بحرق بيت فاطمة على من فيه، وصادرت السلطة تركة الرسول، وحرمت ورثته من إرثهم وحرمت ذوي قربى النبي من سهمهم ولم يجد أهل بيت النبوة في المدينة رجلا واحدا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، لذلك توصل معاوية وأركان دولته إلى نتيجة مفادها بأن الحسين سيغادر المدينة هو وأهله وعلى الأغلب إلى مكة من حيث المبدأ.
وقدر معاوية أن مغادرة الحسين للمدينة أمر ترغبه سلطة الخلافة لأن أهل المدينة يعرفون الحسين معرفة عميقة ويعرفون قربه للنبي ومكانته العلمية، صحيح أنهم لن يحركوا ساكنا إن قتل الإمام الحسين وأهل بيته أمامهم، ولن يأمروا بمعروف أو ينهوا عن المنكر عمليا لكن قتل رجل وأهل بيته بحجم الحسين وأهل بيت النبوة أمام معارفهم سيثير شيئا من مشاعر استياء أهل المدينة، لذلك كان خروج الإمام الحسين خطوة تمنتها السلطة، ولو أرادت دولة الخلافة أن تلحق بالإمام الحسين للحقته بكل سهولة، لأن الحسين قد أصر على سلوك الطريق التي يسلكها الناس عامة عند ذهابهم إلى مكة، وعندما نصحه ابن عمه مسلم بن عقيل أن يعدل عن الطريق رفض الحسين ذلك قائلا: " والله يا ابن عمي لا فارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلى أبيات مكة، أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى " (1).
وقال الطبري: إن الحسين قد رد على من اقترح عليه مجانبة الطريق قائلا:
" والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو أحب إليه " (2) وهكذا ذكر الشيخ المفيد (3).
وفي رواية " إن الحسين خرج المدينة وركب الجادة العظمى، فقال له أهل بيته: لو سلكت الطريق الأفرع لكان أصح فقال الحسين " أتخافون الطلب "؟ قالوا: أجل!
فقال الحسين: لن أحيد الطريق حذر الموت " (4).