فعرفت المنكر في وجوههم، فقلت لهم: إلى أين يا أبناء الشانئين؟ أبمعاوية تلحقون؟ عداوة والله، منكم قديما غير مستنكرة تريدون بها إطفاء نور الله وتبديل أمره، فأسمعني القوم وأسمعتهم. فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة، فاحتمل من أموالهم ما شاء، ثم انكفأ راجعا سالما، فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك، وما الضحاك؟! (إلا) فقع بقر قر.
وقد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك وأنصارك خذلوك؛ فاكتب إلي يا بن أمي برأيك، فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك إذا مت، فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا، وأقسم بالأعز الأجل أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنئ ولا مريء ولا نجيع.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فأجابه علي (عليه السلام): " بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب:
سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب، إنه حميد مجيد.
فقد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي، تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى المغرب، وإن ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه، وصد عن سبيله وبغاها عوجا، فدع ابن أبي سرح، ودع عنك قريشا، وخلهم وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق.
ألا وإن العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم اجتماعها على حرب النبي (صلى الله عليه وآله) قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله، وبادوه العداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كل الجهد، وجروا عليه جيش الأحزاب.