صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٤٩
وكانت الجيوش والأسلحة والحركات السوقية في الزحف إلى المعسكرات، هي الأخرى بعض وسائله إلى الصلح، ولم يشأ أن يبدأ بهم غاراته على العراق، لأنه لن يلتحم مع الحسن بقتال، الا إذا أعيته الوسائل كلها، والوسائل في عرف معاوية، غير الوسائل في عرف الناس أو في عرف الدين الجديد.
ومن الحق أن نقول: ان وسائله في هذا الميدان، كانت من النوع المحبوك الصنع، الدقيق الأساليب، الموفق كل التوفيق، في سبيل الغرض الذي رمى اليه، من اصطناع الظرف الخاص الذي يذكر عدوه بالصلح.
فإذا باع القائد في جبهة العراق ضميره لمعاوية بالمال، وباع معه أكثر الرؤساء ضمائرهم بالعدات.
وإذا أصبح المعسكران في مسكن والمدائن يعجان بالشائعات التي راحت تمطرهما بوابل من الويل والثبور والمخاوف.
وإذا أصبح الحسن نفسه لا يتسنى له تنفيذ أوامره في جيشه بما فعلته الأراجيف من حوله، بل لا يستطيع الظهور بشخصه أمام الكثرة من جنوده، الا ليغتال بين مضاربه وعلى سواعد أصحابه.
فهل من سبيل الا الصلح؟..
* * * انه الظرف الذي استعصى صلاحه بفساد ناسه، ولا تثريب على الحسن من ظرفه إذا فسد، وناسه إذا فشت فيهم الفتنة، وان لانحراف الطبائع حكمه، ولحداثة الاسلام خاصتها، في القلقين من المسلمين أو في المفروضين على الاسلام فرضا.
وإذا قدر للحسن أن يخسر بخيانة جنوده، أو ببراعة الفتن التي تسلح بها عدوه " معركته الأولى "، فليكن منذ اليوم عند " معركته الثانية " التي لا تنالها خيانة الجنود، ولا يضيرها انحراف الطبائع، ولا تزيدها
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»