صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢٩
وللأموية والهاشمية تاريخهما الذي يصعد بهما حتى يلتقيا وينزل معهما كلما نزل الزمان.
وكان من طبيعة " رد الفعل " في النفوس التي شبت مع العنعنات القبلية جاهلية واسلاما، والتي قبلت الاسلام مرغمة يوم الفتح، ثم لم تهضم الاسلام - كما يريده الاسلام - أن تكون دائما عند ذحولها من الضغائن الموروثة، والترات القديمة العميقة الجروح.
وكان معاوية - بعد الفتح - وعلى عهد النبوة الطالعة بالنور، الطليق " الحافي القدمين " كما يحدثنا هو عن نفسه. أما في الدور الذي تململ معه النفوذ الأموي ليسترجع مكانته في المجتمع، وعلى عهد السياسة الجديدة التي رشحت للشورى عضوا أمويا عتيدا، فلم لا يكون ابن عم عثمان والي الشام القوي المرهوب، الذي يصطنع الأعوان والمؤيدين، ويسترضي الاتباع والأجناد والمشاورين، ويتخذ القصور والستور والبوابين، وفي ثروة ولايته ما يسع كل صاحب طمع أو بائع ضمير أو لأحسن قصعة!!.
ولئن كان معاوية في دور النبوة الرعية المخذول العاجز عن الانتصاف لنفسه ولقبيله من القوة التي غلبت على أمره وأمر قبيله، فلم لا يحاسب تلك القوة حسابها العسير في الدور الذي ملك فيه مقاليد القوة بنفسه أو بقبيلة، ولم لا يعود إلى طبيعته فيتحسس بذحوله القديمة من الأبناء والاخوة والأصحاب، ويأخذ بثاره من المبادئ والأهداف؟. ولذلك فقد كان من المنتظر المرقوب لمعاوية، أن يشن غاراته المسلحة على علي والحسن (عليهما السلام) في أول فرصة تمكنه من ذلك، وأن يشن معهما حروبه (الباردة) الأخرى، التي كانت أطول الحربين أمدا، وأبعدهما حرا، وأفظعهما نكالا في الاسلام.
ويستدل من كثير كثير من الاعمال الدبلوماسية التي قام بها معاوية في عهده الطويل الأمد، أنه كان قد قرر التوفر على حملة واسعة النطاق لتحطيم المبادئ العلوية، أو قل لتحطيم جوهرية الاسلام متمثلة في دعوة
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»