صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢٦
" أمير المؤمنين " على لسان مسلم (1) بن عقبة والمغيرة (2) بن شعبة وعمرو (3) بن العاص، وهو المتنعم الدنيوي الذي " لم يبق شئ يصيبه الناس من

(1) هو صاحب واقعة الحرة في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله يوم أباحها ثلاثا شر إباحة. وهو هادم الكعبة (زادها الله شرفا) يوم رماها بالمنجنيق. وكان معاوية هو الذي نصح لابنه يزيد، فيما مهد له من الأمور. بأن يولي " مسلما " هذا. قال له: " ان لك من أهل المدينة ليوما، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته!!. " " يراجع الطبري والبيهقي وابن الأثير ".
(2) كان المغيرة [فيما يحدثنا عنه البيهقي في المحاسن والمساوئ] أول من رشي في الاسلام. وكان [فيما يحدثنا به سائر مؤرخته] الوسيط في قضية استلحاق زياد - رغم النواميس الاسلامية -. وكان السابق إلى ترشيح يزيد بن معاوية للخلافة، وهو الذي يقول في ذلك: " لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا!!.. " -. وكان هو الذي عناه حسان بن ثابت بقوله:
لو ان اللؤم ينسب كان عبدا * * * قبيح الوجه أعور من ثقيف تركت الدين والايمان جهلا * * * غداة لقيت صاحبة النصيف وراجعت الصبا وذكرت لهوا * * * من الأحشاء والخصر اللطيف (3) نار على علم. اعتركت الدنيا والآخرة على قلبه - على حد تعبير غلامه " وردان " - فقدم الدنيا على الآخرة، وشايع معاوية على أن تكون له مصر طعمة، فلا ظفرت يد البائع وخزيت أمانة المبتاع.
روى ابن عبد ربه بسنده إلى الحسن البصري قال: " علم معاوية والله ان لم يبايعه عمرو لم يتم له أمر، فقال له: يا عمرو اتبعني. قال: لماذا؟ الآخرة فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر وكورها. فكتب له مصر وكورها. وكتب في آخر الكتاب: وعلى عمرو السمع والطاعة. قال عمرو: واكتب ان السمع والطاعة لا يغيران من شرطه شيئا. قال معاوية: لا ينظر إلى هذا. قال عمرو: حتى تكتب...!! ".
ورضي الصحابي المسن الذي مات في الثامنة والتسعين أن يختم هذا العمر المديد على مثل هذه المداورة الخبيثة في الدين، وراح يقول غير مبال: " لولا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها فاني أعلم ان علي بن أبي طالب على الحق، وأنا على ضده! ".
اما بواكير حياته فكانت أبعد أثرا في النكاية بالاسلام ونبي الاسلام (ص). وهو إذ ذاك أحد السهميين الذين ساهموا في فكرة قتل النبي (ص) ليلة الفراش في مكة. وهو " الأبتر " المقصود بقوله تعالى " ان شانئك هو الأبتر ". ثم كان بعد ذلك من المساهمين في التأليب على عثمان، ولم يخرج إلى فلسطين حتى نكأ القرحة كما قال هو عن نفسه يوم بلغه مقتل عثمان. والتحق أخيرا بمعاوية على هذه المساومة المفضوحة. ونجا من القتل المحقق في صفين بأشنع وسيلة عرفها التاريخ. ثم كان صاحب الفكرة في رفع المصاحف التي فتن بها المسلمين ونقض بها فتل الاسلام. وحضرته الوفاة فقال لابنه: " اني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها ". ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال: " يا ليته كان بعرا، يا ليتني مت قبل هذا بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي على رشدي حتى حضرني أجلي ". وخلف من المال ثلاثمائة الف دينار ذهبا ومليوني درهم فضة عدا الضياع. وكان رسول الله (ص) يقول فيه وفي معاوية: " انهما ما اجتمعا الا على غدر ". أخرج هذا الحديث كل من الطبراني وابن عساكر، وأخرج أحمد وأبو يعلى في مسنديهما عن أبي برزة قال: " كنا مع النبي (ص) فسمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا. فصعدت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئت فأخبرت النبي (ص) فقال: اللهم أركسهما في الفتنة ركسا. اللهم دعهما في النار دعا ". وعن تطهير الجنان لابن حجر: " أن عمرا صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة، فقيل للحسن: اصعد المنبر لترد عليهما، فامتنع الا أن يعطوه عهدا انهم يصدقونه ان قال حقا ويكذبونه ان قال باطلا فأعطوه ذلك، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشدك الله يا عمرو ويا مغيرة، أتعلمان ان رسول الله لعن السائق والقائد أحدهما فلان - يعني معاوية -، قالا: بلى، ثم قال: أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة، فقالا: اللهم بلى، ثم قال: أنشدك الله يا عمرو ويا معاوية ألم تعلما ان النبي لعن قوم هذا - يعني المغيرة - قال الحسن فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا - يعني عليا - ". وكان ابن العاص هذا، هو الذي عناه الصحابي الكريم عمار بن ياسر (رض) بقوله للمجاهدين في صفين: " أتريدون ان تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين وظاهر المشركين، فلما رأى الله عز وجل يعز دينه ويظهر رسوله صلى الله عليه وسلم، أسلم وهو فيما نرى راهب غير راغب. ثم قبض الله رسوله (ص) فوالله أن زال بعده معروفا بعداوة المسلم وهوادة المجرم. فاثبتوا له وقاتلوه، فإنه يطفئ نور الله ويظاهر أعداء الله عز وجل!! " (الطبري، ابن أبي الحديد، المسعودي، وغيرهم).
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 228 229 230 231 232 ... » »»