صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٠
ولم يجد ابن عباس أن يعلم هو وخاصته كذب الشائعة، واصطدامها بالواقع الذي لا يقبل الشك، لان الحسن الذي لا يزال يشمر للحرب في رسله إلى الأطراف، وفي رسائله إلى معاوية، وفي خطبه بالكوفة، لن يكتب في صلح ولن ينزل عن رأي ارتآه.
ولكنها كانت أحبولة الشيطان الرائعة الصنع.
وارتفعت أصوات المخلصين من الأنصار، تدعو الناس إلى الهدوء، وتستمهلهم ريثما يصل بريد المدائن، ولكنها كانت صيحات في واد، ونفخات في رماد، واجتاح الموقف ارتباك مؤسف لا يناسب ساحة قتال.
وتخاذل عبيد الله للخدعة الخبيثة التي أصابت المحز من موقفه الدقيق.
فخلا بنفسه، وانقبع تحت سماء خيمته البعيدة عن ضوضاء الناس. ورأى ان قيادته هذه ستطوح بمكانته العسكرية إلى أبعد الحدود، فثار لسمعته وحديث الناس عنه، وندم على قبولها. وكان من دفعات الحدة التي طبع عليها، أن لعن الظروف التي عاكسته في رحلته العسكرية هذه والظروف التي خلقت منه قائدا على هذه الجبهة. ثم انطوى على نفسه تحت كابوس من القلق وحب الذات لا يدري ماذا يصنع.
ورأى أخيرا [وكان المخرج الذي بلغته قصارى براعته] أن يتقدم باستقالته، نزولا على حكم ملكاته الأنانية التي كان يستكين لها راغبا عامدا. وما يدرينا، فربما لم يكن له من القابليات الشخصية ما يمكنه من محاسبة نفسه والتفكير في اصلاح ما يمر به من أخطاء أو ما يفجؤه من نكبات.
وكان عليه - وقد صمم على الاستقالة - أن يترك مقر القيادة إلى مصيرها الذي لا يعدو رأي الامام، أو يتخلى عنها لخليفته وهو (قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري).
ولكنه فطن - ولما يغادر فسطاطه المترفع الذي كان يقع على جانب بعيد من مضارب جنوده، والذي شهد وحده ثورة القائد المتخاذل، وسمع
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 138 139 140 218 219 220 221 222 ... » »»