الدنيا الا وقد أصابه " - على حد تعبيره عن نفسه -. ولن يضيره بعد اعتراف ابن العاص وابن عقبة وابن شعبة له بالخلافة وامارة المؤمنين، أن يكون التشريع الاسلامي ينكر عليه هذا اللقب، لأنه لا يسيغ غزو الألقاب الدينية بالقوة، ولا يسبغ لقب " الخليفة " على أحد، الا عند قرب الشبه بين صاحبه وبين النبي (ص)، ويصرفه دائما عن الرجل الذي يكون بينه وبين النبي كما بين دينين.
ولا ندري على التحقيق مبلغ ما كلفت معاوية هذه الألقاب في دينه، يوم غزاها لنفسه، أو يوم غزاها لابنه يزيد، وانه لأعرف الناس بابنه؟!.
ولا ندري مبلغ اهتمام الرجل، بمحاسبة نفسه تجاه الله، فيما كان يجب أن يحاسبها عليه؟.
ولكننا علمنا - على ضوء محاولاته الكثيرة في الاخذ والرد -، أنه لم يعن بمحاسبة نفسه قط، وعلمنا أن الأنانية الطموح كانت تملأ مجاهل نفسه، فتنسيه موقفه الواهن - المفضوح الوهن - الواقف في مهاب الرياح، والمرتكز في حقيقته على خيوط العنكبوت، يوم طارت من حواليه الألقاب كلها.
وعلمنا أن قبليته الطاغية الجامحة، كانت تأخذ عليه منافذ تفكيره، فتريه من شهادة ابن العاص له بالخلافة، ومن ترشيح المغيرة بن شعبة ابنه يزيد لامارة المؤمنين، مبررا يرد به الصريح من شرائط الاسلام. وهل كانت هذه الشهادة أو ذاك الترشيح، الا نبت المساومات الرخيصة على ولاية مصر وولاية الكوفة، كما هو الثابت تاريخيا؟.
ولا عجب من " ابن أبي سفيان " ان يكون كما كان، وهو الأموي الصريح، أو الأموي اللصيق الذي يعمل جاهدا ليكون أمويا صريحا (1).