صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٣٤
ان الحسن لو حاول أن يجيب على حدة مأزقه التي اصطلحت عليه في لحظته الأخيرة في المدائن، بإراقة دمه الطاهر في سبيل الله عز وجل انكارا على البغي الذي صارحه به ستون ألفا من أجناد الشام، وايثارا للشهادة ومقامها الكريم - لحيل بينه وبين ما يريد، ولكان - بلا ريب - ذلك المقتول الضائع الدم الذي لن يستطيع أصدقاؤه في التاريخ أن يسجلوا له الشهادة كما تقتضيها كلمة " شهيد ".
ذلك لان الظرف المؤسف الذي انتهى اليه طالع المدائن بما عبرت عنه الفوضى الرعناء في صيحاتها الكافرة وفي سلاحها - أيضا -، وبما كشفت عنه كتب الخونة الكوفيين في مواثيقهم لمعاوية على الفتك بالحسن - وهو ما وقف عليه الحسن نفسه في رسائلهم -، كل ذلك يفرض علينا الاستسلام للاعتقاد بأن فكرة قوية الأنصار من رجالات المعسكر، كانت قد قررت التورط في أعظم جريمة من أمر الامام عليه السلام، وأنهم كانوا يتحينون الفرص لاقتراف هذه البائقة الكبرى.
ووجدوا من تلاشي النظام في المعسكر، بما انتاشه من الفزع وبما انتابه من الفتن، وبما بلغه من أخبار مسكن، ومن الفوضى " المصطنعة " التي اطلعت رأسها بين جماهيره الهوج - ظرفا مناسبا لانزال الضربة الحاسمة التي كانت هدف الخوارج فيما أرادوه من جهادهم مع الحسن وكانت غاية " الحزب الأموي " فيما تم عليه الاتفاق بينه وبين معاوية. ولا ننسى أن معاوية نفسه كان قد لوح للحسن عليه السلام في رسائله الأولى اليه، بما يشعره التهديد بهذه الخطة العدوة - من أول الامر -. والا فما معنى قوله هناك: " فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس!!. ".
وبلغ من دقة الموقف وتوتر الوضع، في لحظات المدائن الأخيرة، أن أي حركة من الامام عليه السلام سواء في سبيل الحرب أو في سبيل الصلح، وفي سبيل الانضمام إلى الجبهة في مسكن أو في سبيل العودة إلى الكوفة - مثلا -، لابد أن تنقلب إلى خلاف حاد، فتمرد واسع، فثورة
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»