صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢٣
وفي هذا الجيش - كما قدمنا في الفصل (8) -، أصحاب الفتن، وأصحاب الطمع بالغنائم، والخوارج، وغيرهم، ولم يكن لهؤلاء مرتع أخصب من هذه الفتن التي زرعتها هذه البوادر المؤسفة الثلاث.
وجمع الحسن الناس فخطبهم وناشدهم سلامة النية وحسن الصبر، وذكرهم بالمحمود من أيامهم في صفين، ثم نعى عليهم اختلافهم في يومه منهم. وكان أروع ما أفاده الحسن من خطابه هذا، أنه انتزع من الناس اعترافهم على أنفسهم بالنكول عن الحرب صريحا، واستدرجهم إلى هذا الاعتراف بما تظاهر به من استشارتهم فيما عرضه عليه معاوية، فقال في آخر خطابه: " الا وان معاوية دعانا لامر ليس فيه عز ولا نصفة، فان أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف، وان أردتم الحياة قبلناه منه وأخذنا لكم الرضا؟ ". فناداه الناس من كل جانب: " البقية البقية وأمض الصلح (1) ".
أقول: وليس في تاريخ قضية الحسن عليه السلام روايتان كثر رواتهما حتى لقد أصبحت من مسلمات هذا التاريخ، كرواية جواب الناس على هذه الخطبة بطلب البقية وامضاء الصلح، ورواية ثورة الناس في المدائن انكارا للصلح والحاحا على الحرب!!. وليت شعري. فأي الرأيين كان هدف هؤلاء الناس؟.
وهل هذه الا بوادر الانقسام الذي أشرنا اليه آنفا، بل " الفوضى " التي لن يستقيم معها ميدان حرب، والتي لا تمنع ان يكون المنادون بالصلح من كل جانب هم المنادين بالحرب أنفسهم.
وما للفوضى ودعوة جهاد وصحبة امام؟!
وعلى أي، فقد كان هذا أحد ألوان معسكر المدائن وأحد ظواهر التلون في عساكره وتحكم العناصر المختلفة في مقدراته.

(1) ابن خلدون وابن الأثير والبحار وغيرهم - وكنا عرضنا القسم الأول من هذه الخطبة فيما رويناه في تصريحات المؤرخين من هذا الفصل.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 228 229 ... » »»