صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٣٨
وأثر عنه بهذا المعنى كلمات كثيرة.
وللتوفر على فهم هذه الحقيقة بشيء من التفصيل الذي يخرج بنا إلى القناعة بما أجمله الامام بهذا القول، نقول:
لم يكن النزاع بين الحسن ومعاوية في حقيقته، نزاعا بين شخصين يتسابقان إلى عرش، وانما كان صراعا بين مبدأين يتنازعان البقاء والخلود. وكان معنى الانتصار في هذا النزاع، خلود المبدأ الذي ينتصر له أحد الخصمين المتنازعين. وكذلك هي حرب المبادئ التي لا تسجل انتصاراتها من طريق السلاح، ولكن من طريق الظفر بثبات العقيدة وخلود المبدأ. وربما ظفر المبدأ بالخلود ولكن تحت ظل اللواء المغلوب ظاهرا.
وانقسم المسلمون يومئذ، على اختلاف رأيهم في المبدأين، إلى معسكرين يحمي كل منهما مبدأه، ويتفادى له بكل ما أوتي من حول وقوة.
فكانت العلوية والأموية، وكانت الكوفة والشام.
ونخلت الادوار الاستفزازية التي لعبها معاوية، باسم الثأر لعثمان، معسكر الشام من شيعة علي وأولاده عليهم السلام. فكان لابد لهؤلاء أن ينضووا إلى معسكرهم في الكوفة، وفي البلاد التي ترجع بأمرها إلى الكوفة، غير مروعين ولا مطاردين.
واجتمع - على ذلك - في الكوفة والبصرة والمدائن والحجاز واليمن عامة القائلين بالتشيع لأهل البيت عليهم السلام.
وخلص إلى عاصمة الامام في العراق من الأمصار كلها، الثقل الأكبر من أعلام المسلمين، وبقايا السيوف من المهاجرين والأنصار. فكانت كوفة علي على عهد الخلافة الهاشمية، مباءة الاسلام، والمركز الذي احتفظ بتراث الرسالة بأمانة وصبر وايمان.
وكان طبيعيا ان يستجيب لدعوة الحسن، في زحفه للموقعة الفاصلة بين المبدأين، عامة هذه النخبة المختارة المتبقية في الكوفة بعد وفاة أبيه عليه
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»