صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٨
وانبعث في الحاضرة المتخاذلة وعي جديد يشبه ان يكون تحسسا بالواجب، أو استعدادا له.
وكان التثاقل عن الحرب حبا بالعافية أو انصهارا بدعاوات الشام، قد اخذ حظه من أهل الكوفة وممن حولها.
اما هذا الوعي الجديد الذي يدين لهؤلاء الخطباء المفوهين، فلم يلبث أن بعث في كثير من المتثاقلين رغبة، فأثارت الرغبة نشاطا، فانبثق من النشاط حماس.
ونجحت دعاوة الشيعة إلى حد ما، في اكتساب العدد الأكبر من المتحمسين للحرب، رغم المواقف اللئيمة التي وقفها يومئذ المعارضون في الكوفة " ونشط الناس للخروج إلى معسكرهم (1) ".
ونجحت - إلى حد بعيد - في اكتساب الرأي العام، في الكوفة وأسباعها وقبائلها، وفي الضواحي القريبة التي لا تنقطع بمواصلاتها اليومية، عن أسواق الكوفة، وعن مراكز القضاء والإدارة فيها.
وكان من براعة خطباء الحسن، انهم أحسنوا استغلال الذهنية المؤاتية في الناس، فبذلوا قصارى امكانياتهم في الدعوة إلى أهل البيت تحت ستار الدعوة للجهاد.
وبحت حناجر الأولياء، فيما يعرضون من مناقب آل محمد ومثالب أعدائهم. ومروا على مختلف نوادي الكوفة وأحيائها وأماكنها العامة، ينبهون الناس إلى المركز الممتاز الذي ينفرد به سيدا شباب أهل الجنة اللذان لا يعدل بهما أحد من المسلمين، والى الصلابة الدينية المركزة الموروثة في أهل بيت الوحي، والمزايا التي يستأثر بها هذا الفخذ من هاشم في العلم والطهارة والزهد بالدنيا والتضحية في الله والعمل لاصلاح الأمة ووجوب المودة على المؤمنين.

(1) نص عبارة ابن أبي الحديد في الموضوع (ج 4 ص 14).
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»