صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٨
كما احتملها ظرف أخيه الحسين، فيما كان قد اصطلح عليه من مضايقات هي في الكثير من ملامحها، صورة طبق الأصل عن ظروف أخيه، وقد خرج منها بالشهادة دون الصلح، وكانت آية خلوده في تاريخ الانسانية الثائرة على الظلم.
إذا، فلماذا لم يفعل الحسن أولا، ما فعله الحسين أخيرا؟.
الجبن - واستغفر الله - وما كان الحسين بأشجع من الحسن جنانا، ولا امضى منه سيفا، ولا أكثر منه تعرضا لمهاب الأهوال. وهما الشقيقان بكل مزاياهما العظيمة، خلقا، ودينا، وتضحية في الدين، وشجاعة في الميادين، وابنا أشجع العرب، فأين مكان الجبن منه يا ترى؟.
أم لطمع بالحياة، وحاشا الامام الروحي المعطر التاريخ، أن يؤثر الحياة، على ما ادخره الله له من الكرامة والملك العظيم، في الجنان التي هو سيد شبابها الكريم، والطليعة من ملوكها المتوجين، وما حياة متنازل عن عرشه، حتى تكون مطمعا للنفوس العظيمة التي شبت مع الجهاد، وترعرعت على التضحيات؟.
أم لأنه رضي معاوية لرياسة الاسلام، فسالمه وسلم له، وليس مثل الحسن بالذي يرضى مثل معاوية، وهذه كلماته التي أثرت عنه في شأن معاوية، وكلها صريحة في نسبة البغي اليه، وفي وجوب قتاله، وفي عدم الشك في أمره، وفي كفره أخيرا.
فيقول فيما كتبه اليه أيام البيعة في الكوفة: " ودع البغي واحقن دماء المسلمين، فوالله مالك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به (1)!.. ".
ويقول وهو يجيب أحد أصحابه العاتبين عليه بالصلح: " والله لو وجدت أنصارا لقاتلت معاوية ليلي ونهاري (2) ".

(1) شرح النهج (ج 4 ص 12).
(2) احتجاج الطبرسي (151).
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 138 139 140 218 219 220 221 222 223 ... » »»