صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٩
ويقول في خطابه التاريخي في المدائن " انا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم.. ".
ويقول لأبي سعيد فيما نقلناه عنه آنفا: " علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة، حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه " كفار " بالتأويل.
إذا، فما سالم معاوية رضا به، ولا ترك القتال جبنا عن القتال، ولا تجافى عن الشهادة طمعا بالحياة، ولكنه صالح حين لم يبق في ظرفه احتمال لغير الصلح، وبذلك ينفرد الحسن عن الحسين، إذ كان للحسين محرجان ميسران من ظرفه - الشهادة والصلح - ولن يتأخر أفضل الناس عن أفضل الوسيلتين، اما الحسن فقد أغلق في وجهه طريق الشهادة، ولم يبق أمامه الا باب واحد لا مندوحة له ومن ولوجه.
وأقول ذلك وانا واثق بما أقول.
وقد يبدو مستغربا قولي [أغلق في وجهه طريق الشهادة]، وهل شهادة المؤمن الذي نزل لله عن حقه في حياته، الا أن يقتحم الميدان مستقتلا في سبيل الله، تاركا ما في الدنيا للدنيا، وبائعا لله نفسه تنتاشه السيوف، وتنهل من دمه الأسنة والرماح، فإذا هو الشهيد الخالد. وكيف يغلق مثل هذا على مجاهد له من ميدانه متسع للجهاد؟. وللحسن ميدانه الذي يواجه به العدو في " مسكن "، فلماذا لم يخف اليه؟. ولم لم نسمع أنه وصله أو بارز العدو فيه، أو اقتحمه إقتحامة الموت، يوم ضاقت به الدنيا، فسدت في وجهه كل باب الا بابا واحدا؟. وانه لو فعل ذلك فبرز إلى ميدانه مستميتا، لاستمات بين يديه عامة شيعته المخلصين لأهدافه، فإنما كانوا ينتظرون منه كلمته الأخيرة لخوض غمرات الموت.
نعم، ومن هنا كان مهب الرياح التي اجتاحت قضية الحسن بين قضايا أهل البيت عليهم السلام، ومن هنا جاءت الشبهات التي نسجت هيكل المشكلة التاريخية التي لغا حولها اللاغون ما شاء لهم اللغو، فزادوا
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 138 139 140 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»