معنى وصورة; وهذا الاتصال لا يتم بدون الجنسية والسنخية والاتحاد، ومثاله الحسي: أن الكبريت يصير نارا إذا جاور النار لأدنى مناسبة، وذلك للسنخية والجنسية الموجودة بينهما، فهذه الجنسية جعلته يشابه النار ويتغير وضعه دفعة واحدة ليصير منها. وبديهي أنه كلما قلت المناسبة بين الشيء وبين النار، قل قبول أثرها، حتى تصل الحالة إلى المباينة والمغايرة كلية، فتصير كمجاورة الماء للنار.
وانظر الآن إلى جوهر الذات القدسية الفاطمية وصفاء باطنها وانجلاء نفسها مع الذات الأقدس النبوية والوجود المقدس العلوي، واتصالها في العوالم العلوية، فلقد كانت هناك ولابد أن تكون هنا في العالم العنصري كماهيتها في العالم العلوي، ولا مناص من القول بالسنخية والجنسية والاتصال، وبذلك صارت مصدرا للكرامات ومظهرا للمعجزات، وقد ذكر مثلهم في القرآن في قوله تعالى ﴿يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء﴾ (1).
فمعيتها مع الشخص الأول أعطاها إمكان الوصول إلى كل المراتب الكمالية للعقل، ومصاحبة روح القدس والروح الأمين والملائكة المقربين مكنها من معرفة دقائق عوالم اللاهوت، وحقائق وأعيان الملك والملكوت، وغرائب وعجائب ما كان وما هو كائن، وحوادث ما يكون. وكل شيء إذا بلغ حده الأعلى من الكمال شبه بالبدر ليلة الرابع عشر، فيقال إنه «كالبدر ليلة تمامه».
والحق أن العقل الكامل لتلك المخدرة كان كالبدر التام مستنيرا بنور شمس