بعد أمها خديجة بنفس البرهان الذي ألزم به المأمون علماء العامة بقبول إيمان أمير المؤمنين في الصغر قبل البلوغ، من دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوحي الإيماني «فهو أول من آمن بالله ورسوله». ولكن كما كان إيمان أمير المؤمنين في الصغر يعدل، بل يفضل إيمان الأولين والآخرين، فكذلك إيمان فاطمة يفضل إيمان خديجة ونساء العالمين; لما تلقته من اهتمامات وإفاضات وتربية خاصة من أبيها، واختلاف مراتب المؤمنين بالإيمان واضح في الأخبار المعتبرة.
الحاصل: لا يمكن أن يقال أن نمو فاطمة الزهراء نماء جسمانيا كان خارجا عن الحد الطبيعي وخلافا للعادة المعهودة، وإلا لزم أن نقول إنها كانت تنمو نموا مخالفا للاعتدال ومنافيا لكمال الأجزاء الأعضاء الإنسانية، ويعارض أيضا الأحاديث والأخبار الواردة في شمائلها الصورية وخصائلها المعنوية الناصة على شبهها الشديد للغاية مع شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأما تكلمها في رحم أمها خديجة، فقد تكرر عدة مرات، وأما تكلمها بعد الولادة مباشرة، فلم أعثر على رواية تدل على تكرر ذلك، فبعد أن شهدت الشهادتين وأقرت بإمامة الأئمه المعصومين (عليهم السلام) بعد الولادة مباشرة وفي حضور النسوة الأربع والحوريات، وانقطع كلامها لم تتكرر الحادثة مرة أخرى; وإذا كانت قد تكررت ولم تصلنا ففي إخفاء ذلك حكمة; لأننا لم نجد رواية تنقل لنا ذلك. كما أننا لم نجد روايات تدل على استمرار عيسى أو بعض الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في التكلم أيام الرضاع سوى ما ثبت من كلامهم في بدو التولد; وكأن الدوام ينافي الحال الطبيعي لعموم العبيد.
وأما ما سمعته خديجة، فهي الوحيدة التي سمعته ثم أخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به،