منذ ابتداء الوحي والبعثة وإبلاغ الأحكام يودع أنفس جواهر الإيمان في مخزن الوجود المقدس لعزيزته، ويعلمها المعارف والعلوم، فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) الفرد الكامل من الأقربين في استعداده الفطري - على صغر سنه - ومن بعده فاطمة (عليها السلام)، ولذا انصب اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في السنوات التسع على إكمال التربية فقط، ولهذا قالت أسماء عن فاطمة (عليها السلام) وهي في الثامنة من عمرها: «ما رأيت امرأة أأدب منها» وقال الراوي متعجبا من اجتهادها في العبادة: ما رأيت امرأة أعبد منها» (1) لقد تورمت قدماها من العبادة. وكمال الإنسان في هاتين القوتين العاقلة والعاملة. وقد تميزت فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن جميع النساء في جوهر العقل والعمل، فلما دخلت في كفالة أمير المؤمنين (عليه السلام) واستترت في حجلة العصمة كشفت الذخائر العلوية المكتومة والخزائن المكنونة، فلم يخفى عنها شئ ولم يبقى دونها سر سلام الله عليها، وكان مولى الأولياء يخبرها بما يسمعه عن سيد الأنبياء، فكانت تستفيض من كلام أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففاطمة الزهراء (عليها السلام) تلقت التربية المباشرة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسع سنين قضتها في كنفه، ثم انتقلت إلى حمى الولاية فكانت تستفيد الأحكام والمعارف الجديدة بالواسطة.
والآن هل يمكن أن تقاس هذه المرأة بنساء الأولين والآخرين، أو بمريم وغيرها من نساء العالمين؟!
وتربية هذا الإنسان الكامل في القابلية يقتضي قابلا من جنسه، ويمكن الاستدلال على أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت أول من آمن من النساء بالله ورسوله