والثاني: معرفة كنهها وحقيقتها، والإحاطة التامة بتمام مقاماتها وكمالاتها وفضائلها وفواضلها إضافة إلى اسمها ورسمها ونسبها وحسبها، فهذا ما لا يبلغه أحد، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى» (1) المراد به المعرفة الإجمالية، لأن فاقد المقامات العالية يعيش دائما في المرتبة الدانية، فلا يصل إلى المقام العالي ولا يستطيع معرفته وإدراكه.
وإنما يعجز الإنسان عن إدراك الشئ أو الشخص لكثرة أوصافه وآياته فكلما ازدادت أوصاف الموصوف عظم قدره وعلا شأنه في الأعين.
فكيف يمكننا إدراك حقيقة النبوة ومعرفة كنهها؟
إن الحديث السابق يدل على أن معرفة فاطمة و «ليلة القدر» أشد وأعظم من معرفة الإمام (عليه السلام)، حيث قالوا في معرفة الإمام حق المعرفة: أن تعرف أنه إمام مفترض الطاعة، وأن معرفته معرفة الله - أي به يعرف الله -، بينما قالوا في فاطمة:
إنها لا يمكن معرفتها بحال، فهي كالاسم الأعظم والساعة المستجابة وليلة القدر.
وهذا البيان بنفسه نقوله في النبي والوصي والإمام، حيث لا يمكن الوصول إلى معرفة كنههم بحال.
لا يقال: إن معرفة الإمام واجبة لازمة بناء على قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (2) وغيره، أما معرفة فاطمة فغير واجبة ولا لازمة لأنها ليست إماما ولا تكون إماما يوما ما.
كيف نقول ذلك ونعتقد صحته ونؤمن به، مع أن الإمام قال غير ذلك وأمر