فإن كان المناط قوة الحفظ والذكاء والفطنة والشوق المفرط، فليس لتلك العالمة الربانية ند ولا عديل ولا نظير، وإن كان السبب في أنها كانت في وثاق سلطان الولاية عشر سنين بعيدا عن حجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما يزعم أهل السنة - فإنها لم تنقطع عن أبيها معنويا، بل كانت مرتبطة به قريبة منه متصلة به اتصالا حقيقيا، وكانت ملازمة له حاضرة في خدمته، إضافة إلى أنها كانت تسمع كل خبر وجديد عن طريق زوجها وأبنائها.
والظاهر أن هذا العدد الهائل من الأحاديث الذي روتها عائشة كانت عبارة عن تسجيل ليومياتها، ثم نسبت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصارت مصدرا للأحكام الشرعية، فهي كانت تروي أفعالها وأقوالها وتصرفاتها الشخصية وما تقوم به آناء الليل وأطراف النهار فأخذوه منها ونسبوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وافترضوه حديثا، ثم صار فيما بعد خبرا صحيحا.
كيف امتازت عائشة على باقي أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواتي عشن معه وحظين بشرف صحبته ومضاجعته ولم يروين عنه إلا أحاديث قليلة؟!
لا أدري; لعل طول عمرها وضغائنها الدفينة - التي اتفق عليها الفريقان وذكر جملة منها ابن أبي الحديد - وأعلام خلفاء الجور هو السبب في ذلك.
ولكن أهل البصيرة والإنصاف يعلمون جيدا أنه لا يمكن الإعتماد على أقوال المغرضة التي تروي ولا تتحرج، ولا الاستناد إلى روايات أصحاب الجمل والخوارج أرباب الحيل والنواصب، فكلها مجعولات موضوعات صدرت من منشأ الفساد ومنبع العناد بدافع الهوى والأغراض الدنيوية، إلا ما كان من رواياتهم في فضل أهل بيت العصمة، ومناقبهم التي اضطروا إلى إظهارها ولم يجدوا