وجاءوا به من عند الذي اشتراه وعقدوا له التاج وملكوه عليهم فسار فيهم سيرة حسنة وفى رواية ما يقتضى أن الذي اشتراه رجل من العرب وأنه ذهب به إلى بلاده ومكث عنده مدة ثم لما مرج أمر الحبشة وضاق عليهم ما هم فيه خرجوا في طلبه وأتوا به من عند سيده ويدل لذلك ما سيأتي عنه أنه عند وقعة بدر أرسل خلف من عنده من المسلمين فدخلوا عليه فإذا هو قد لبس مسحا وقعد على التراب والرماد فقالوا له ما هذا أيها الملك انا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه وتعالى إذا أحدث بعبده نعمة وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا وان الله تعالى قد أحدث الينا واليكم نعمة عظيمة هي أن محمدا صلى الله عليه وسلم التقى هو وأعداؤه بواد يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه الغنم لسيدي وهو من بنى ضمرة وان الله تعالى قد هزم أعداءه فيه ونصر دينه وذكر السهيلي أن بكاءه عندما تليت عليه سورة مريم أي كما سيأتي حتى أخضل لحيته يدل على طول مكثه ببلاد العرب حتى تعلم من لسان العرب مافهم به تلك السورة قال وعن جعفر بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا خير جار وأمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة وكان أعجب ما يأتيه منها الادم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا أهدوا له هدية أي هيئوا له هدية ولا يخالف ما تقدم من أن الهدية كانت فرسا وجبة ديباج لأنه يجوز أن يكون بعض الادم ضم إلى تلك الفرس والجبة للملك وبقية الادم فرق على أتباعه ليعاونوهما على ما جاء بصدده والاقتصار على الفرس والجبة في الرواية السابقة لان ذلك خاص بالملك ثم بعثوا عمارة بن الويد وعمرو ابن العاص يطلبان من النجاشي أن يسلمنا لهم أي قبل أن يكلمنا وحسن له بطارقته ذلك لأنهما لما أوصلا هداياهم إليهم قالوا لهم إذا نحن كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم لنا قبل أن يكلمهم أي موافقة لما وصت عليه قريش فقد ذكر أنهم قالوا لهما ادفعوا لكل بطريق هدية قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما للنجاشي هداياه ثم اسألاه أن يسلمهم اليكما قبل أن يكلمهم فلما جاءا إلى الملك
(٣٠)