خصمك، ولا عيشة في الحياة أكثر من ذلك (1).
كان الشيخ - المترجم له - من أكابر المحققين الأعلام وأعاظم علماء الإسلام، كشافا لمعضلات الدقائق بذهنه الثاقب، وفتاحا لمقفلات الحقائق بفهمه الثاقب، حسن التقرير والإنشاء، جيد التحرير والإملاء، جميل الأخلاق والشيم، حميد الآداب والحكم، في عليا درجة من الزهد والورع والتقوى والدين، وسميا مرتبة من مراتب الفقهاء والمجتهدين، رفيع القدر بين طبقات أهل الفضل، مرموق المكانة في عيون كبار أصحابه، محترم الجانب من قبل أعاظم سائر المذاهب الإسلامية، وينوه عنه في مجالسهم ومحافلهم بكل إجلال، ويلقب بألقاب التفخيم: كالعلامة، والإمام، والشيخ، والبحر، إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير التي تنم عن علو منزلته العلمية، كما صرحت بذلك كتب الأوائل والأواخر، وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتفقوا بأن ابن الصباغ كان من أكابر علماء السنة، وأعاظم محدثيهم الأعلام (2).
فهذه نسبته ونسبه، وفضله وحسبه، وعلمه وأدبه، فالأحسن والأحق والأولى أن أقررها لك بهذا التقرير: لم يكتحل حدقة الزمان له بمثل ولا نظير، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير، كيف ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ولا لاحق، ولم يثن إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق، وإن كان قد ثنى ما أثنى على غيره من كل لقب جميل رائق، وعلم جليل لائق. إذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله، والاعتراف بالعجز عن التعرض لتوصيف أمثاله، ويخطر ببالي أن لا أصفه، إذ لا تسع مقدمتي هذه علومه وفضائله وتصانيفه ومحامده، وله أكثر من خمسين كتابا.