لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (١)، فما من شرف تمتد إليه الأبصار، ولا من طرف يرتفع لديه اقتباس الأقدار ولا باب تعظم فيه الأخطار ولا لباب تقحم به الآثار إلا وقد جازته قادات الأطهار وحازته سادات الأبرار، مع سعي المعاندين في إطفاء نورهم ﴿ويأبى الله إلآ أن يتم نوره﴾ (٢)، وبغي الجاحدين في تطريدهم وتشتيت قبورهم، ويريد الله أن يظهر حجته ومزبوره، فهل قدم عليهم إلا من سمل (٣) عين الإيمان؟ وهل تقدمهم إلا من شمل قلبه الطغيان، وقد ضاءت مدائحهم ومنائحهم في كتاب رب العالمين، وجاءت لأعدائهم قبائحهم وفضائحهم ظاهرة للناظرين.
في طوايا التاريخ على امتداده يجد الباحث والمتتبع رجالا وعباقرة غيروا مسير التاريخ بعلمهم وفنهم، واقتادوا الشعوب إلى شواطئ المجد والخلود، وجداول الحق والواقع، وأوقفوهم على المهيع القويم والصراط المستقيم.
نستوقف على نفر من ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا﴾ (4)، ويدفعون الأمة إلى قمة الإنسانية والتكامل، وفي أيديهم قبس من تلك الحرائق التي يشعلها الأنبياء أضواء هداية على الطرق، وزيتها من دمهم الذي يتوهج زيتا، لا أكرم في الزيوت ولا أضوأ في الإنارة، ويقودون الأشرعة التائهة في اليم، والقافلة الضالة الحائرة في البيداء، إلى موانئ السلامة وسواء السبيل والهداية.
يجد الباحث ببطن التاريخ صور الذين كانوا على امتداد التاريخ في الشموخ مشاعل وهاجة، ومنارات شاهقة، حادوا قافلة الجهاد الفكري في ظروف قاسية في الأسار، وقبضة الإرهاب والبطش التي كانت تلاحق كل من همس بإيمانه،