الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٥٤
فقال له: إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال له الحر: والله أخير نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق الحسين (عليه السلام)، فقال له: جعلت فداك يا بن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرك في الطريق وجعجع بك في هذا المكان، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وإني تائب إلى الله مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟
فقال له الحسين (عليه السلام): نعم يتوب الله عليك فانزل. فقال: أنا لك فارس خير مني راجل أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول ما يصير أمري. فقال له الحسين:
اصنع ما بدا لك رحمك الله.
فاستقدم أمام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة لامكم الهبل والعبر إذ دعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا أتاكم أسلمتموه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه عن التوجه إلى بلاد الله العريضة، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا، وحددتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري الذي تشرب به اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير أهل السواد وكلابهم وهامهم، قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم العطش الأكبر.
فحمل عليه رجال يرمون بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام).
ونادى عمر بن سعد: يا دريد أدن برايتك. فأدناها، ثم وضع سهمه في كبد قوسه، ثم رمى وقال: اشهدوا أني أول من رمى، ثم ارتمى الناس، وتبارزوا، وقاتل أصحاب الحسين (عليه السلام) أشد القتال حتى انتصف النهار. فتقدم الحصين بن تميم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين (عليه السلام) بالنبل، فرشقوهم فعقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم، فاشتد القتال وكثر القتل
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»