الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٤٩
سأمضي وما بالموت عار على امرء * إذا ما نوى حقا ولم يلف محرما فإن مت لم أندم وإن عشت لم الم * كفى لك موتا أن تذل وترغما.
وقال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي: لما أقبل الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى قصر بني مقاتل ونزل، فرأى فسطاطا مضروبا، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل:
لعبيد الله بن الحر الجعفي. ومع الحسين (عليه السلام) يومئذ الحجاج بن مسروق وزيد بن معقل الجعفيان، فبعث إليه الحسين (عليه السلام) الحجاج بن مسروق، فلما أتاه قال له: يا بن الحر أجب الحسين بن علي (عليهما السلام). فقال له: أبلغ الحسين أنه أنما دعاني إلى الخروج من الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرارا من دمك ودماء أهل بيتك، ولئلا أعين عليك وقلت: إن قاتلته كان علي كبيرا وعند الله عظيما، وإن قاتلت معه ولم اقتل بين يديه كنت قد ضيعت قتلته، وأنا رجل أحمى أنفا من أن أمكن عدوي فيقتلني ضيعة، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم.
فأبلغ الحجاج الحسين (عليه السلام) قول عبيد الله فعظم ذلك عليه، ودعا بنعليه فانتعل، ثم أقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله بن الحر الفسطاط، فأوسع له ابن الحر عن صدر مجلسه وقام إليه حتى أجلسه، فلما جلس قال يزيد بن مرة: حدثني ابن الحر قال: دخل علي الحسين (عليه السلام) ولحيته كأنها جناح غراب وما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملا للعين من الحسين، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله.
فقال له الحسين (عليه السلام): ما يمنعك يا بن الحر أن تخرج معي؟ فقال: لو كنت كائنا مع أحد من الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك، فأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك، ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي، وهذه فرسي المحلقة فاركبها فوالله ما طلبت عليها شيئا إلا أدركته ولا طلبني أحد إلا فته فدونكها فاركبها حتى تلحق بمأمنك، وأنا لك بالعيالات حتى أؤديهم إليك وأموت وأصحابي عن آخرهم، وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد.
قال الحسين (عليه السلام) لابن الحر: فهذه نصيحة لنا منك؟ قال: نعم والله الذي لا فوقه
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»