مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) - محمد بن طلحة الشافعي - الصفحة ٢٦٣
الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين شوقا إلى الموت وخوفا من العقاب (1)، عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم، فهم كأنهم قد رأوا الجنة ونعيمها والنار وعذابها فقلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم ضعيفة ومعونتهم (2) لإخوانهم عظيمة، اتخذوا الأرض بساطا وماءها طيبا ورفضوا الدنيا رفضا وصبروا، أيامها قليلة فصارت عاقبتهم راحة طويلة تجارتهم مربحة يبشرهم بها رب كريم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فهربوا منها.
فأما الليل فأقدامهم مصطفة يتلون القرآن يرتلونه ترتيلا فإذا مروا بآية فيها (تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت إليها أنفسهم تشوقا فيصيرونها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها) (3) تخويف أصغوا إليها بقلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم خوفا وفرقا، نحلت لها أبدانهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها وصلصة حديدها في آذانهم مكبين على وجوههم وأكفهم تجري دموعهم على خدودهم يجازون إلى الله في فكاك رقابهم.
وأما النهار فعلماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف، فهم أمثال القداح إذا نظر إليهم الناظر يقول بهم مرض ويقول قد خولطوا وما خولطوا، إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه وذكروا الموت وأهوال القيامة وجفت قلوبهم وطاشت لحومهم وذهلت عقولهم، فإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بأعمال زاكية، لا يرضون بالقليل ولا

1 - في نسخة (ع): العذاب.
2 - في نسخة (م): وحوائجهم.
3 - أثبتناه من نسخة (م).
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»