مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) - محمد بن طلحة الشافعي - الصفحة ١٨٠
ونقل أن معاوية قال بعد موت علي (عليه السلام) لضرار بن صرد: صف لي عليا.
فقال: أو تعفيني.
قال: بل صفه.
قال: أو تعفيني.
قال: لا أعفيك.
قال: أما إذا لابد فأقول ما أعلمه منه، والله كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدينا إذا أتيناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه عظمة، إن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، فاشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول: (يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت، أم إلي تشوقت!! هيهات هيهات غري غيري قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كثير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق).
قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء.
فقال معاوية: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»