فكفى بهذه عبادة وباطعام هذا الطعام مع شدة حاجتهم إليه منقبة ولولا ذلك لما عظمت هذه القصة شأنا وعلت مكانا ولما أنزل الله تعالى فيها على رسول الله (ص) قرآنا.
وأعلم أن أنواع العبادة كثيرة وكان علي (عليه السلام) جامعا لجميعها فإن من تيقن حقيقة الآخرة بأحوالها وتحقق شدائد أهوالها وأن كل نفس عند مردها ومالها تلزم بجواب سؤالها وتجثو بين يدي خالقها لجدالها وتجازى على ما أسلفته أعمالها أما بنعيمها وأما بنكالها خليق أن يكون عن ساق جده في عبادته مشمرا وأن يجعل وقته على اكتساب طاعات ربه متوفرا فإنه لا يقصر في العبادة إلا من فقد اليقين ولم يكن من المتقين.
وقد كان علي (عليه السلام) منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه وقد صرح بذلك تصريحا مبينا فقال (عليه السلام): (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) (1) فكانت عبادته إلى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه.
وأما زهده وورعه فقد شهد له بذلك رسول الله (ص) وأخبر أن الله تعالى حلاه من الزهد بحليته وحباه بزينة بزته وكساه بزة زينته فقال (ص) ما رواه الحافظ أبو نعيم (رضي الله عنه) بسنده في حليته: (يا علي إن الله تعالى قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، هي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا تزرأ الدنيا منك شيئا) (2).
وإذا كان الزهد ثابتا لعلي (عليه السلام) فاعلم أرشدنا الله تعالى وإياك إلى سواء السبيل