الفصل السابع في عبادته وزهده وورعه:
أما عبادته (عليه السلام): فاعلم سلك الله تعالى بنا وبك سبيل السعادة أن حقيقة العبادة هي الطاعة فكل من أطاع الله تعالى وقام بامتثال الأوامر واجتناب المناهي فهو عابد، ولما كانت متعلقات الأوامر الصادرة من الله تعالى على لسان نبيه (ص) متنوعة كانت العبادة بحسب ذلك متنوعة، فمنها الصلاة ومنها الصدقة ومنها الصيام إلى غيرها من الأنواع وكل ذلك كان (عليه السلام) قائما فيه مقبلا عليه مسارعا إليه متحليا به حتى أدرك بمسارعته إلى طاعة الله ورسوله ما فات غيره، فإنه جمع بين الصلاة والصدقة فتصدق وهو راكع في صلواته فجمع بينهما وفي وقت واحد حتى أنزل الله تعالى فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.
وشرح ذلك وبيانه: ما رواه الإمام أبو إسحق أحمد بن محمد الثعلبي (رضي الله عنه) في تفسير يرفعه بسنده قال بينا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) جالس على شفير زمزم يقول:
قال رسول الله (ص) (إذ أقبل رجل متعمم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله (ص)) (1) إلا قال الرجل قال رسول الله (ص).
فقال ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟
قال: فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت النبي (ص) بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول عن علي (عليه السلام): (إنه قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله) أما إني صليت مع رسول الله (ص) يوما من الأيام الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم إشهد أني سألت في مسجد رسول الله (ص) فلم يعطني أحد