أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به، وعلمه بأنه لو ظهر لهم لسفكوا دمه.
وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلة، وهو أنه أشفق من إشاعتهم خبره، والتحدث منهم كذلك على وجه التشرف بذكره، والاحتجاج بوجوده، فيؤدي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه، فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.
وثانيهما: أن غيبته عن أعدائه للتقية منهم، وغيبته عن أوليائه للتقية عليهم، والاشفاق من إيقاع الضرر بهم، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به، فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم المكروه والضرر بأوليائه، وهذا معروف بالعادات.
وثالثها: أنه لابد أن يكون في المعلوم أن في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحق من اعتقاد إمامته، والقول بصحتها على حال من الأحوال، فأمره الله تعالى بالاستتار ليكون المقام على الاقرار بإمامته مع الشبه في ذلك وشدة المشقة أعظم ثوابا من المقام على الاقرار بإمامته مع المشاهدة له، فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه، ولم تكن للتقية منهم.
ورابعها: وهو الذي عول عليه المرتضى - قدس الله روحه - قال: نحن أولا: لا نقطع على أنه لا يظهر لجميع أوليائه، فإن هذا أمر مغيب عنا، ولا يعرف كل منا إلا حال نفسه، فإذا جوزنا ظهوره لهم كما جوزنا غيبته عنهم فنقول في علة غيبته عنهم: إن الامام عند ظهوره من الغيبة إنما يميز شخصه كما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه، لان النصوص الدالة على إمامته لا تميز شخصه من غيره كما ميزت أشخاص آبائه، والمعجز إنما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال، والشبه تدخل في ذلك، فلا يمتنع أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه، فإن المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزه، ولحق لهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء.