وكذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على يد إبراهيم عليه السلام وكل بالحبالى من نساء قومه، وفرق بين الرجال وأزواجهم، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسى عليهما السلام كما ستر ولادة القائم عليه السلام لما علم في ذلك من التدبير.
وأما كون غيبته سببا لنفي ولادته، فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر، وعلى الحق الدليل الواضح، لمن أراده، الظاهر لمن قصده.
مسألة ثانية: قالوا: إذا كان الامام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟ وإلا جاز أن يميته الله تعالى أو يعدمه حتى إذا علم أن الرعية تمكنه وتسلم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره.
الجواب: أول ما نقوله: إنا لا نقطع على أن الامام لا يصل إليه أحد، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع به. ثم إن الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقية - وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر ان يمكنوه فيظهر ويتصرف - وبين عدمه واضح، وهو أن الحجة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالى، وههنا الحجة لازمة للبشر، لأنه إذا خيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة - عقيب فعل كانوا هم السبب فيه - منسوبا إليهم، فيلزمهم في ذلك الذم، وهم المؤاخذون به، الملومون عليه.
وإذا أعدمه الله تعالى، كان ما يفوت العباد من مصالحهم، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به، منسوبا إلى الله تعالى، ولا حجة فيه على العباد، ولا لوم يلزمهم، لأنهم لا يجوز أن ينسبوا فعلا لله تعالى.
مسألة ثالثة: فإن قالوا: الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها؟
فإن قلتم: تسقط من أهلها (فقد) صرحتم بنسخ الشريعة، وإن كانت