تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٨٤
في الجملة انه على غير ظاهره، فإن عرفنا وجهه على التفصيل ذكرناه، وإلا كفانا في تكليفنا ان نعلم أن الظاهر معدول عنه، وأنه لابد من وجه فيه يطابق ما تقتضيه الأدلة. وهذه الجملة كافية في جميع المشتبهة من افعال الأئمة عليهم السلام وأقوالهم، ونحن نزيد عليها فنقول: ان الله تعالى لم يكلف انكار المنكر سواء اختص بالمنكر أو تعداه إلى غيره الا بشروط معروفة، أقواها التمكن. وان لا يغلب في ظن المنكر ان إنكارة يؤدي إلى وقوع ضرر به لا يحتمل مثله، وأن لا يخاف في انكاره من وقوع ما هو أفحش منه وأقبح من المنكر. وهذه شروط قد دلت الأدلة عليها ووافقنا المخالفون لنا في الإمامة فيها وإذا كان ما ذكرناه مراعي في وجوب انكار المنكر، فمن أين أن أمير المؤمنين عليه السلام كان متمكنا من المنازعة في حقه والمجادلة، وما المنكر من أن يكون عليه السلام خائفا متى نازع وحارب من ضرر عظيم يلحقه في نفسه وولده وشيعته، ثم ما المنكر من أن يكون خاف من الانكار من ارتداد القوم عن الدين وخروجهم عن الاسلام ونبذهم شعار الشريعة، فرأى أن الاغضاء اصلح في الدين من حيث كان يجر الانكار ضررا فيه لا يتلافى.
فان قيل: فما يمنع من أن يكون انكار المنكر مشروطا بما ذكرتم، إلا أنه لابد لارتفاع التمكن وخوف الضرر عن الدين والنفس من امارات لايحة ظاهرة يعرفها كل أحد، ولم يكن هناك شئ من امارات الخوف وعلامات وقوع الفساد في الدين. وعلى هذا فليس تنفعكم الجملة التي ذكرتموها لان التفصيل لا يطابقها.
قلنا: أول ما نقوله ان الامارات التي يغلب معها الظن بأن انكار المنكر يؤدي إلى الضرر، انما يعرفها من شهد الحال وحضرها واثرت في ظنه، وليست مما يجب ان يعلمها الغائبون عن تلك المشاهدة. ومن اتى بعد ذلك الحال بالسنين المتطاولة. وليس من حيث لم تظهر لنا تلك الامارات ولم
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست