تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٨٣
تأخذه في الله لومة لائم، وقد وهب نفسه وماله وولده لخالقه تعالى، ورضي بأن يكون دون الحق اما جريحا أو قتيلا، فكيف لم يظهر منه بعض هذه الأمور مع من تقدم والحال عندكم واحدة، بل لو قلنا إنها كانت أغلظ وافحش لاصبنا لأنها كانت مفتاح الشر واس الخلاف وسبب التبديل والتغيير؟.
وبعد، فكيف لم يقنع بالكف عن التفكير والعدول عن المكاشفة والمجاهرة حتى بايع القوم وحضر مجالسهم، ودخل في آرائهم وصلى مقتديا بهم، وأخذ عطيتهم ونكح من سبيهم وانكحهم، ودخل في الشورى التي هي عندكم مبنية على غير تقوى، فما الجواب عن جميع ذلك اذكروه، فإن الامر فيه مشتبه والخطب ملتبس؟.
(الجواب): قلنا أما الكلام على ما تضمنه هذا السؤال فهو مما يخص الكلام في الإمامة، وقد استقصيناه في كتابنا المعروف بالشافي في الإمامة، وبسطنا القول فيه في هذه الأبواب ونظائرها بسطا يزيل الشبهة ويوضح الحجة، لكنا لا نخلي هذا الكتاب من حيث تعلق غرضه بهذه المواضع من إشارة إلى طريقة الكلام فيها.
فنقول: قد بينا في صدر هذا الكتاب ان الأئمة عليهم السلام معصومون من كبائر الذنوب وصغائرها، واعتمدنا في ذلك على دليل عقلي لا يدخله احتمال ولا تأويل بشئ، فمتى ورد عن أحدهم عليهم السلام فعل له ظاهر الذنب، وجب ان نصرفه عن ظاهره ونحمله على ما يطابق موجب الدليل العقلي فيهم، كما فعلنا مثل ذلك في متشابه القرآن المقتضي ظاهره ما لا يجوز على الله تعالى، وما لا يجوز على نبي من أنبيائه عليهم السلام.
فإذا ثبت ان أمير المؤمنين عليه السلام إمام فقد ثبت بالدليل العقلي أنه معصوم عن الخطأ والزلل، فلابد من حمل جميع افعاله على جهات الحسن ونفي القبيح عن كل واحد منها. وما كان له منها ظاهر يقتضي الذنب علمنا
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست