تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٧٩
بالبصر، وذلك أن العلم عند أهل اللغة على ضربين: علم يقين ومعرفة.
والضرب الآخر يكون بمعنى الظن والحسبان. والذي هو بمعنى البصر لا يتعدى إلى أكثر من مفعول واحد. ولهذا يقولون علمت زيدا بمعنى عرفته وتيقنته، ولا يأتون بمفعول ثان وإذا كان بمعنى الظن احتاج إلى المفعول الثاني، وقد قيل ليس يمتنع ان يكون المفعول الثاني في الخبر محذوفا يدل الكلام عليه، وإن لم يكن مصرحا به.
فان قيل: يجب على تأويلكم هذا ان يساوى أهل النار أهل الجنة في هذا الحكم الذي هو المعرقة الضرورية بالله تعالى، لان معارف جميع أهل الآخرة عندكم لا تكون الا اضطرارا. فإذا ثبت ان الخبر بشارة للمؤمنين دون الكافرين بطل تأويلكم.
قلنا: البشارة في هذا الخبر تخص المؤمنين على الحقيقة، لان الخبر بزوال اليسير من الأذى لمن نعيمه خالص صاف يعد بشارة. ومثل ذلك لا يعد بشارة لمن هو في غاية المكروه ونهاية الألم والعذاب وأيضا فإن علم أهل الجنة بالله ضرورة يزيد في نعيمهم وسرورهم لأنهم يعلمون بذلك انه تعالى يقصد بما يفعله لهم من النعيم التعظيم والتبجيل، وأنه يديم ذلك ولا يقطعه. وأهل النار إذا علموه تعالى ضرورة علموا قصده إلى اهانتهم والاستخفاف بهم وإدامة مكروهم وعذابهم. فاختلف العلمان في باب البشارة وان اتفقا في أنهما ضروريان:
في حديث نفي الملل عن الله تعالى:
(مسألة): فان قيل فما معنى الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال " ان أحب الاعمال إلى الله تعالى أدومها وان قل فعليكم من الاعمال بما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا ".
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست