تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٧٣
قال: إنهم ليسمعون ما أقول. فأنكر ذلك عليه، وقيل انما قال عليه السلام: أنهم الآن ليعلمون ان الذي كنت أقول لهم هو الحق. واستشهد بقوله تعالى: (انك لا تسمع الموتى)، ويمكن في الخبر إن كان صحيحا وجوه من التأويل:
أولها: انه إن وصى موص بأن يناح عليه ففعل ذلك بأمره، فإنه يعذب بالنياحة. وليس معنى يعذب بها أنه يؤاخذ بفعل النواح، وانما معناه أنه يؤاخذ بأمره بها ووصيته بفعلها، وانما قال صلى الله عليه وآله ذلك لان الجاهلية كانوا يرون البكاء عليهم والنوح ويأمرون به ويؤكدون الوصية بفعله، وهذا مشهور عنهم. قال طرفة بن العبد:
فان مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي عليه الجيب يا ابنة معبد وقال بشر بن أبي حازم:
فمن يك سائلا عن بيت بشر * فان له بجنب الردم بابا ثوى في ملحد لابد منه * كفى بالموت نابا واغترابا رهين بلى وكل فتى سيبلى * فاذري الدمع وانتحبي انتحابا وثانيها: ان العرب كانوا يبكون موتاهم ويذكرون غاراتهم وقتل أعدائهم، وما كانوا يسلبونه من الأموال ويرونه من الأحوال، فيعدون ما هو معاص في الحقيقة بعذاب الميت بها وإن كانوا يجعلون ذلك من مفاخره ومناقبه، فذكر انكم تبكونهم بما يعذبون به.
وثالثها: ان يكون المعنى ان الله تعالى إذا علم الميت ببكاء أهله واعزته عليه تألم لذلك، فكان عذابا له. والعذاب ليس بجار مجرى العقاب الذي لا يكون إلا على ذنب متقدم، بل قد يستعمل كثيرا بمعنى الألم والضرر. ألا ترى ان القائل قد يقول لمن ابتدأه بضرر أو ألم: قد عذبتني بكذا وكذا وآذيتني، كما يقول اضررت بي وآلمتني. وإنما لم يستعمل
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست