تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٨٠
(الجواب): قلنا في تأويل هذا الخبر وجوه كل واحد منها يخرج كلامه صلى الله عليه وآله من حيز الشبهة:
(أولها) انه أراد نفي الملل عنه تعالى، وأنه لا يمل ابدا، فعلقه بما لا يقع على سبيل التبعيد كما قال عز وجل (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وكما قال الشاعر:
فإنك سوف تحكم أو تباهي * إذا ما شبت أو شاب الغراب أراد انك لا تحكم ابدا.
فان قيل ومن أين لكم ان الذي علقه به لا يقع، حتى حكمتم بأنه أراد نفي الملل على سبيل التأبيد.
قلنا: معلوم ان الملل لا يشمل البشر في جميع أمورهم وأطوارهم، وأنهم لا يعرفون من حرص ورغبة وأمل وطمع، فلهذا جاز ان يعلق ما علم الله تعالى انه لا يكون تمللهم.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى انه تعالى لا يغضب عليكم فيطرحكم ويخليكم من فضله واحسانه حتى تتركوا العمل له وتعرضوا عن سؤاله والرغبة في حاجاتكم إلى جوده. فسمى الفعلين مللا وان لم يكونا على الحقيقة كذلك على مذهب العرب في تسميتها الشئ باسم غيره إذا وافق معناه من بعض الوجوه، قال عدي بن زيد العبادي:
ثم اضحوا لعب الدهر بهم * وكذاك الدهر يودى بالرجال وقال عبيد بن الأبرص الأسدي:
سائل بنا حجر بن أم قطام إذ * ظلت به السمر الذوابل تلعب فنسب اللعب إلى الدهر والقنا تشبيها.

(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست