التأويل، ثم رأى المنصوص عليه أكثر الأمة بعد الوفاة بلا فصل، اقبلوا يتنازعون الامر تنازع من لم يعهد إليه بشئ فيه، ولا يسمع على الإمامة نصا لان المهاجرين قالوا نحن أحق بالامر، لان الرسول صلى الله عليه وآله منا ولكيت وكيت. وقال الأنصار نحن آويناه ونصرناه فمنا أمير ومنكم أمير. هذا، والنص لا يذكر فيما بينهم. ومعلوم ان الزمان لم يبعد فيتناسوه ومثله لا يتناسى، فلم يبق إلا أنه عملوا على التصميم ووطنوا نفوسهم على التجليح، وأنهم لم يستيجزوا الاقدام على خلاف الرسول صلى الله عليه وآله في اجل أوامره وأوثق عهوده، والتظاهر بالعدول عما أكده وعقده، إلا لداع قوي وامر عظيم يخاف فيه من عظيم الضرر، ويتوقع منه شديد الفتنة. فأي طمع يبقى في نزوعهم بوعظ وتذكير؟ وكيف يطمع في قبول وعظه والرجوع إلى تبصيره وارشاده من رآهم لم يتعظوا بوعظ يخرجهم من الضلالة وينقذهم من الجهالة؟ وكيف لا يتهمهم على نفسه ودينه من رأى فعلهم بسيدهم وسيد الناس أجمعين فيما عهده وأراده وقصده؟ وهل يتمكن عاقل بعد هذا ان يقول اي امارة للخوف ظهرت؟ اللهم الا ان يقولوا ان القوم ما خالفوا نصا ولا نبذوا عهدا، وإن كل ذلك تقول منكم عليهم لا حجة فيه، ودعوى لا برهان عليها، فتسقط حينئذ المسألة من أصلها، ويصير تقديرها إذا كان أمير المؤمنين (ع) غير منصوص عليه بالإمامة ولا مغلوب على الخلافة، فكيف لم يطالب بها ولم ينازع فيها؟ ومعلوم انه لا مسألة في أن من لم يطالب بما ليس له، ولم يجعل إليه، وإنما المسألة في أن لم يطالب بما جعل إليه.
وإذا فرضنا ان ذلك إليه، جاء منه كل الذي ذكرناه. ثم يقال لهم إذا سلمتم ان وجوب انكار المنكر مشروط بما ذكرناه من الشروط، فلم أنكرتم ان يكون أمير المؤمنين عليه السلام انما أحجم عن المجاهدة بالانكار، لان شروط انكار المنكر لم تتكامل، إما لأنه كان خائفا على نفسه أو على من يجري مجرى نفسه، أو مشفقا من وقوع ضرر في الدين هو أعظم مما أنكره. وما المانع من أن يكون الامر جرى على ذلك؟.