تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٨٥
نحط بها علما، يجب القطع على من شهد تلك الحال لم تكن له ظاهرة، فإنا نعلم أن للمشاهد وحضوره مزية في هذا الباب لا يمكن دفعها، والعادات تقتضي بأن الحال على ما ذكرناه. فإنا نجد كثيرا ممن يحضر مجالس الظلمة من الملوك يمتنع من انكار بعض ما يجري بحضرتهم من المناكير، وربما أنكر ما يجري مجراه في الظاهر، فإذا سئل عن سبب اغضائه وكفه ذكر أنه خاف لامارة ظهرت له، ولا يلزمه أن تكون تلك الامارة ظاهرة لكل أحد، حتى يطالب بأن يشاركه في الظن والخوف كل من عرفه. بل ربما كان معه في ذلك المقام من لا يغلب على ظنه مثل ما غلب على ظنه من حيث اختص بالامارة دونه. ثم قد ذكرنا في كتابنا في الإمامة من أسباب الخوف وامارات الضرر التي تناصرت بها الروايات، ووردت من الجهات المختلفة ما فيه مقنع للمتأمل، وانه (ع) غولط في الامر وسوبق إليه وانتهزت غرته، واغتنمت الحال التي كان فيها متشاغلا بتجهيز النبي صلى الله وآله عليه، وسعى القوم إلى سقيفة بني ساعدة، وجرى لهم فيها مع الأنصار ما جرى، وتم لهم عليهم كما اتفق من بشير بن سعد ما تم وظهر، وانما توجه لهم من قهرهم الأنصار ما توجه ان الاجماع قد انعقد على البيعة، وأن الرضا وقع من جميع الأمة وروسل أمير المؤمنين عليه السلام. ومن تأخر معه من بني هاشم وغيرهم مراسلة من يلزمهم بيعة قد تمت ووجبت لا خيار فيها لاحد، ولا رأي في التوقف عنها لذي رأي ثم تهددوه على التأخر، فتارة يقال له لا تقم مقام من يظن فيه الحسد لابن عمه، إلى ما شاكل ذلك من الأقوال والافعال التي تقتضي التكفل والتثبت، وتدل على التصميم والتتميم. وهذه امارات بل دلالات تدل على أن الضرر في مخالفة القوم شديد.
وبعد، فان الذي نذهب إليه من سبب التقية والخوف مما لابد منه، إذا فرضوا ان مذهبنا في النص صحيح، لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد نص على أمير المؤمنين (ع) بالإمامة في مقام بعد مقام وبكلام لا يحتمل
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»
الفهرست