تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٩٤
المحتمل الضرر في الدين إلى ما لا يؤدي إليه اظهار ما أظهره، وهذا واضح لمن تدبره. وقد دخل في جملة ما ذكرناه الجواب عن قولهم: لم لم يغير الاحكام ويظهر مذاهبه، وما كان مخبوا في نفسه عند افضاء الامر إليه وحصول الخلافة في يديه، فإنه لا تقية على من هو أمير المؤمنين وإمام جميع المسلمين، لأنا قد بينا ان الامر ما افضى إليه (ع) إلا بالاسم دون المعنى، وقد كان عليه السلام معارضا منازعا مغصصا طول أيام ولايته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته، وكيف يأمن في ولايته الخلاف على المتقدمين عليه (ع) رجل من تابعه وجمهورهم شيعة أعدائه (ع). ومن يرى أنهم مضوا على اعدل الأمور وأفضلها، وأن غاية من يأتي بعدهم ان يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم. وما العجب من ترك أمير المؤمنين عليه السلام ما ترك من اظهار بعض مذاهبه التي كان الجمهور يخالفه فيها، وانما العجب من اظهار شئ من ذلك مع ما كان عليه من شر الفتنة وخوف الفرقة، وقد كان (ع) يجهر في كل مقام يقومه بما هو عليه من فقد التمكن وتقاعد الأنصار وتخاذل الأعوان، بما ان ذكرنا قليله طال به الشرح وهو (ع) القائل: " والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى يظهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول يا رب ان عليا قد قضى بقضائك ". وهو القائل عليه السلام وقد استأذنه قضاته فقالوا بم نقضي يا أمير المؤمنين فقال (ع):
" اقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي " يعني (ع) من تقدم موته من أصحابه والمخلصين من شيعته الذين قبضهم الله تعالى وهم على أحوال التقية والتمسك باطنا بما أوجب الله جل اسمه عليهم التمسك به. وهذا واضح فيما قصدناه. وقد تضمن كلامنا هذا الجواب عن سؤال من يسأل عن السبب في امتناعه عليه السلام من رد فدك إلى يد مستحقها لما افضى التصرف في الإمامة إليه (ع).
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست