رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٥
وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوجتك بالدرع (1).
فانطلق علي وباع درعه إلى عثمان بن عفان بأربعمئة وثمانين درهما، فصبها بين يدي النبي (ص) (2).
وبعد أن قرت عين الزهراء بهذه الخطبة السعيدة، وزوج الله فاطمة عليا (ع)، أراد رسول الله، أن يعلن لعامة المسلمين هذا النبأ العظيم، فأمر أنس بن مالك أن يجمع فئة من الصحابة ليعلن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي، قال أنس: فدعوتهم، فلما اجتمعوا عنده كلهم، وأخذوا مجالسهم، ثم قال (ص): إن الله قد أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمئة مثقال فضة إن رضيت بذاك، فقال (ع): قد رضيت بذلك يا رسول الله.
قال أنس بن مالك: فقال النبي (ص): جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وبارك عليكما ، وأخرج منكما كثيرا طيبا، قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب (3) وهذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية والوحي يلفت أنظارنا، ويلقي على أسماعنا هذه الأسئلة المهمة:
1 - لماذا لم يرخص لفاطمة بتزويج نفسها؟
2 - ولم لم يرخص لرسول الله، وهو أبوها ونبيها بتزويجها - والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - إلا بعد أن نزل القضاء بذلك؟.
3 - ولماذا أخص زواج فاطمة دون النساء بهذه الميزة؟ فلابد إذا وأن يكون هناك سر وحكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية الخطيرة علاقة فاطمة بنت رسول الله (ص) بابن عمه و (أخيه علي بن أبي طالب (ع)، كما كان يسميه رسول الله نفسه، وهو الذي تربى في بيت رسول الله (ص) وعاش معه وشب في ظلال الوحي، ونما في مدرسة النبوة: حتى قال عليه السلام: وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة، والمنزلة الخصيصة...، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة (4).
إن هذا السر والإعداد لم يكن غامضا، وهذه العناية لم تكن مجرد علاقة رحم وقرابة ، فالأمر ذو علاقة بحياة هذه الأمة، وهذه العلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة والإمامة. سئلت عائشة: أي الناس أحب إلى رسول الله (ص)؟ قالت: فاطمة، قيل:
من الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان - ما علمت - صواما قواما (5).
روي عن أبي الحمراء أنه قال: رابطت] في [المدينة سبعة أشهر، كيوم (6)، فكان النبي (ص)

١ - فاطمة من المهد إلى اللحد للسيد محمد كاظم القزويني ص ١٧١.
٢ - المجالس السنية للسيد محسن الأمين ج ٣ ص ٧٣ و ٧٤.
٣ - ذخائر العقبى للطبري ص ٣٠ و ٣١، وأخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.
٤ - الإمام علي (ع) نهج البلاغة لمحمد عبده ص ٤١٧، ط مصر.
٥ - ذخائر العقبى للطبري ص ٦٢، وأخرجه الترمذي وابن عبد البر في الاستيعاب ج ٤ ص ٣٧٨.
* كيوم: أي انقضت عليه كيوم واحد.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»