رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٤
غيرها؟ فقلت للقائل: ويحك! أعزب فعند الصباح يحمد القوم السرى (1).
أما منهاج أمير المؤمنين (ع) الذي سلكه في أهل بيته وقرابته، فلم يكن بعيدا عن منهاجه مع نفسه، فقد كان (ع) حريصا على معاملة ذويه في مسألة الحقوق، كما لو كانوا من عامة الناس، فلا يفضلهم بعطاء، ولا يميزهم بحق.
وروى هارون بن سعيد أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قد قال له: يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي، فقال الإمام (ع): لا والله ما أجد لك شيئا، إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك (2).
وقد جاءه عقيل أخوه وكان ضريرا يوما يطلب صاعا من القمح من بيت مال المسلمين:
زيادة على حقه، وظل يكرر طلبه على علي (ع)، فما كان من الإمام إلا وأحمى له حديدة على النار وأدناها منه، ففزع منها عقيل، ثم وعظه: يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبة، وتجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه، أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟ (3).
السياسة الإسلامية الأصلية للإمام علي (ع):.
لقد صح ما توقعه الإمام علي (ع) من أن تطبيقه للعدالة الإسلامية، سيثير غضب رجالات قريش الذين دأبوا على العيش برفاهية: مما ينهبونه من أفواه الجياع والمحرومين، وكبر عليهم أن ينهج الإمام (ع) نهج المساواة في الحقوق، فلا يميز بين حر وعبد، وبين أسود وأبيض، وبين عربي وأعجمي، كان الجميع أمامه سواسية كأسنان المشط.
فقد أنكر الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله على الإمام (ع) سياسته تلك، واعتبراها مخالفة للنهج الذي ألفه الناس، فقال لهما الإمام (ع): ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله علينا بأسيافنا ورماحنا، وأرجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسرا قهرا: ممن لا يرى الإسلام إلا كرها (4).
فقال الإمام (ع) لهما: لقد نقمتما يسيرا وأرجأتما كثيرا، ألا تخبراني أي شئ كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟... إلى أن قال (ع): رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا فرده، وكان عونا بالحق على صاحبه (5).

1 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 117.
2 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 200.
3 - البحار للمجلسي ج 40 باب 98 ص 347، نقلا عن أمالي الصدوق.
4 - علي بن أبي طالب / نظرة عصرية جديدة / د. محمد أحمد خلق الله ص 32.
5 - نهج البلاغة رقم النص 205.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»