رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٣
هذه الوشائج والرابطة الجسدية والروحية والأخلاقية بين خير البشرية وابنته فاطمة فتقول:.
ما رأيت أحدا أشبه سمتا ود وهديا برسول الله (ص) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله (ص)، وقالت: وكانت إذا دخلت على النبي (ص): قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (ص) إذا دخل عليها، قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (1)، وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله (ص) (2).
حياتها:.
ولدت فاطمة ودرجت في بيت النبوة، وترعرت في ظلال الوحي، ورضعت مع لبن خديجة، حب الايمان ومكارم الأخلاق، وحنان الأب الأكرم الرسول الأعظم (ص)، فقد عاشت في جو روحي وسمو العائلة القدسي، وشاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة في مرحلة من أشد مراحل الدعوة الاسلامية ضراوة ومحنة، وأكثرها قسوة وأذى لأمها وأبيها، فقد ولدت في أوج الصراع بين الاسلام والجاهلية المقيتة، وفتحت عينيها في ضراوة الجهاد بين الطليعة المؤمنة، وبطون قريش الوثنية، وهاهي قريش تفرض المقاطعة والحصار على رسول الله (ص) وأعمامه وسائر بني هاشم، والثلة المؤمنة من الدعاة و طلائع الجهاد: فيدخل الرسول (ص) شعب أبي طالب، وتدخل معه رفيقة حياته وشريكته في جهاده، زوجته المجاهدة، وتدخل معهما فاطمة، ومعهم الطليعة المسلمة، فتحاصرهم قريش ثلاث سنين، وبذا عايشت الزهراء الحصار، وذاقت في طفولتها مرارة الجهاد وشظف العيش.
وتمر سنون الحصار صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله ومن معه من الحصار، وقد كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة، وتخرج أم المؤمنين خديجة الكبرى، وقد أثقلتها السنون، وأرهقها عناء الحصار والحرمان، وقد بلغت الخامسة والستين من عمرها الشريف، و شاء الله أن يختارها لجواره: فتوفيت في ذلك العام الذي خرج فيه المسلمون من الحصار ، وكان العام العاشر من البعثة الشريفة، كما وتوفي في العام ذاته حامي الدعوة الاسلامية وناصرها أبو طالب (ع)، عم الرسول (ص)، فكان هذا العام حقا عام فراق الأحبة، فسمي بعام الحزن، إذ ليس الرسول (ص) وحده الذي رزئ: بل وفاطمة الصبية الصغيرة التي لم ترتو بعد من حنان الأمومة وعطفها، فقد شعرت بغمامة الحزن واليتم والفراق قد خيمت على حياتها.
ويحس الرسول الأكرم (ص) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (ع)، فلقد أحبها (ص) وأحبته، و حنا عليها، وحنت عليه، فلم يكن أحد أحب إلى قلبه ولا انسان أقرب إلى نفسه من فلذة كبده فاطمة (ع)، فكان صلوات الله عليه وآله وسلم يؤكد على محبته واحترامه لفاطمة، وعظيم قدرها، ليعرف المسلمون مقامها ومكانة الأئمة الأطهار من ذريتها، وها هو رسول الله (ص) يعرف فاطمة، ويؤكد على عدم إغضابها:

1 - فضائل الخمسة للفيروز آبادي ج 3 ص 157، ومستدرك الصحيحين ج 4 ص 272.
2 - المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 154، وكشف الغمة للإربلي ج 2 ص 79.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»